في أقلّ من دقيقتين، قرّر مجلس النواب (من خلال لجانه) استبعاد المرأة من صناعة القرار السياسي في لبنان برفضه مبدأ الكوتا النسائية في الإنتخابات النيابية المقبلة. كان ذلك في اجتماع اللجان النيابية قبل أسبوعين لمناقشة قانون الإنتخاب. إن رفض هذا المشروع الذي يعود الحديث عنه عند كل إنتخابات يثبت مرّة جديدة، أن الطاقم السياسي عندنا ذكوري بامتياز، محتكر للسلطة، لا يقيم أي احترام لقيَم المساواة بين الرجل والمرأة، وممارساته من عصور غابرة، كما لا يهمّه تطوير المجتمع من خلال تفعيل دور المرأة.
قد نتقبّل الأمر لو كان «ذكوريّو» السياسة قد نجحوا في إدارة البلد، ولو لم يكونوا قد أوصلونا الى الإنهيار التام. مع العلم أن المشروع المقترح لا يهدّد كراسيهم ولا سلطتهم. كل ما في الأمر أن المشروع يقترح تخصيص حوالى 20 مقعداً في المجلس النيابي للنساء، وعلى الأرجح ستكون غالبيتهن من إختيار «ذكوريّو» الأحزاب السياسية، التي تركّب لوائح المرشحين. فلماذا هذا الخوف من المرأة ومن دورها!!
في كثير من دول العالم، تلعب المرأة دوراً رئيساً في الحياة العامة، وهناك اليوم حوالى 23 بلداً تديرها امرأة. وقد باتت مشاركة المرأة في الحياة السياسية عموماً مقياساً لتقدّم البلد ولممارسته الديمقراطية ولرقيّه الحضاري. وكأن بلادنا تبتعد أكثر فأكثر عن التقدّم وعن الممارسة الديمقراطية. وقد أثبتت المرأة أنها أفضل من الرجل في ميادين عديدة، لاسيما وأنها تميل الى السلمية والهدوء أكثر منه. وهي تفكّر عموماً كأمّ وكربّة عائلة مسؤولة على خلاف النرجسية الذكورية.
وقد رأينا في لبنان نجاحها في منافسة الرجال في كثير من الميادين كميادين التعليم، والإعلام، والقضاء وغيرها. حتى في الكليات العلمية في جامعات لبنان، باتت نسبة الفتيات تفوق عدد الشبان. كما شهدنا على جرأتها والتزامها الإجتماعي والوطني من خلال مشاركتها الكثيفة في انتفاضة 17 تشرين.
والأنكى في رفض تخصيصها بكوتا نيابية، أن غالبية الكتل النيابية تصرّح أنها مع إعطاء المرأة دورها، وأنها تحترم حق المرأة في أن تتمثل في الميدان السياسي.
رئيس الجمهورية الذي التقى وفداً من الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، كان أكد دعمه تحديد كوتا للتمثيل النسائي في مجلس النواب، وأنه «مع أيّ تعديل دستوري يحقق المساواة بين الرجل والمرأة ويسقط أي تمييز بينهما».
ورئيس مجلس النواب هو أيضاً أعلن «تأييده الكامل لدور المرأة في المجتمع». كتلة «المستقبل» بلسان النائبة رولا الطبش أعلنت تأييدها لإقرار الكوتا النسائية. تكتل «الجمهورية القوية» من خلال النائب وهبي قاطيشا أكّد أيضاً تأييد «القوات اللبنانية» لتطبيق هذه الكوتا، ولم يكن هناك من أصوات معارضة في العلن.
لكن ما حصل في إجتماع اللجان ترويه النائبة عناية عز الدين، التي تقدّمت بأحد مشاريع الكوتا النسائية وقالت إن «النواب رفضوا مبدأ الكوتا أو حتى مناقشة الإقتراح، في وقتٍ يشبعوننا كلاماً يومياً عن دور المرأة وضرورة مشاركتها في الحياة السياسية العامة، علماً أنّهم اتخذوا قرارهم بعدم مناقشة الموضوع في أقلّ من دقيقة واحدة». واعتبرت أن «نوايا مختلف القوى السياسية غير صافية في مقاربة هذا الملف، فالعقلية الذكورية هي المتحكّمة بكل شيء (...)». وقد انسحبت عز الدين من إجتماع اللجان إعتراضاً على ما حصل.
إن قرار اللجان النيابية هذا يتعارض مع المواثيق الدولية والإتفاقات الخاصة بحقوق الإنسان التي وقّعها لبنان، ومنها اتفاقية بيجينغ التي حدّدت هدفاً، وهو أن تصل النساء الى نسبة ٣٠ ٪ في مواقع صنع القرار حول العالم. وبناء عليه عمد كثير من الدول الى تبنّي مبدأ الكوتا النسائية.
وكانت لجنة فؤاد بطرس التي أوكل اليها في العام 2005 وضع قانون انتخابي جديد، قد اقترحت إلزام اللوائح الإنتخابية بكوتا نسائية لا تقل عن 30% من النساء، والكل يعرف ما آلت اليه اقتراحات هذه اللجنة التي حاولت تطوير الحياة السياسية في لبنان، وسدّ بعض الخلل في النظام السياسي.
ويتمثل تهميش المرأة في الحياة السياسية اللبنانية بالحكومة الحالية التي تضمّ وزيرة واحدة، وفي مجلس النواب الذي يضمّ 6 نساء من أصل 128 نائباً. وبحسب تقرير «الفجوة بين الجنسين» السنوي لعام 2021 الذي يصدره «منتدى الإقتصاد العالمي»، يقع لبنان في المرتبة 132 عالمياً على 158.
نتعزّى بأن هناك من هو أسوأ منا، لكن لا مجال أبداً للإدعاء والمفاخرة، بل للخجل. وما يفسّر أننا لسنا في أسفل السلم هو مشاركة 6 وزيرات في الحكومة السابقة، الحكومة التي لم تحكم.
تعزيتنا للمرأة اللبنانية أنها ليست هي فقط منتقصة الحقوق، إنه الشعب اللبناني بأكمله المحكوم من طبقة سياسية فاشلة وفاسدة، حرمته من أبسط حقوقه وحاجاته من دون أن تفرّق بين نساء ورجال وأطفال، وأوصلته الى أدنى درجات الفقر والذل. ورغم كل ذلك هي ترفض الإعتراف بفشلها وتتمسّك بكراسيها.