في لحظة من آذار/ مارس 2015 ظنّ معها التحالف الغربي الإقليمي بقيادة أميركية أن الحرب الكونية على سورية ومحور المقاومة الذي تنتمي إليه قد اقتربت من تحقيق أهدافها، بخاصة أن المساحة التي بقيت بيد الدولة السورية آنذاك وفقاً لتقديراتهم لا تتعدى الـ 25 في المئة من كامل المساحة السورية، في تلك اللحظة أمرت أميركا السعودية بتشكيل تحالف خليجي عربي دولي للهجوم على اليمن وتصفية القوى الرافضة للسيطرة الاستعمارية فيه والعاملة بنهج محور المقاومة نصرة للقضية الفلسطينية، ورفضاً لوجود «إسرائيل» على رغم البعد الجغرافي عنها، فكانت الحرب العدوان الذي شنّته السعودية تحت اسم «عاصفة الحزم» شنته بعد أن شكلت مع الإمارات العربية ودول أخرى التحالف العسكري للحرب على اليمن «نصرة لشرعية عبد الهادي منصور رئيس الجمهورية المنتهية ولايته».
خططت السعودية وشركاؤها في التحالف بإشراف لا بل بقيادة أميركية أطلسية و»إسرائيلية»، خططت للعدوان بشكل تنفذ فيه حرباً خاطفة تحقق أهدافها بمهلة أسابيع لا تتعدى الشهرين، لكن المدة المحدّدة انصرمت من دون أن يستسلم من وجه العدوان نيرانه ضدّهم، واستطاعت القوى اليمنية المستهدفة بقيادة أنصار الله الحوثيين ومعهم جزء من الجيش اليمني الصمود واستيعاب الضربات النارية الجوية والصاروخية القاسية والتكيّف مع واقع الحال الذي فرض عليهم مع حصار خانق طوقهم، وبعد ستة أسابيع من انطلاق العدوان وحتى لا تعترف السعودية ومن معها بالفشل وسوء التقدير، غيّروا اسم العملية ـ العدوان واعتمدوا اسماً جديداً هو «إعادة الأمل» بما يوحي بأنّ «عاصفة الحزم» حققت أهدافها وانقلب العمل العسكري إلى مهمة أخرى.
لكن الخداع اللفظي لم يصرف في الميدان وعلى رغم ضيق ذات اليد اليمنية الوطنية الممثلة بأنصار الله الحوثيين ومن معهم من الوطنيين اليمنيين الرافضين للعدوان، فقد استطاعت تلك القوى أن تصمد وأن تستفيد من المتاح لها من الإمكانات العسكرية المحلية البسيطة، أو ما يتيسّر لها من المساعدات الطفيفة والمحدودة جداً من الخارج على رغم الحصار، استطاعت أن تصمد في مواقع استراتيجية حاكمة وتمنع قوى العدوان من الوصول إليها وتمكنت خلال السنة الأولى من العدوان من استيعاب الزخم والتكيّف مع الواقع والتحضير إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة من المواجهة تشمل استعمال محدود لقدرات هجومية منخفضة السقف لكنها مؤثرة معنوياً.
ترافق الصمود الوطني اليمني مع انطلاق عمليات استعادة السيطرة والسيادة على الأرض السورية، تلك العمليات التي بدأت تحقق أهدافها انطلاقاً من أيلول 2015 ونجحت في أقل من 3 سنوات في رسم معالم الانتصار الاستراتيجي الكبير بيد سورية وحلفائها في محور المقاومة وروسيا، وأكدت نتيجة قطعية بأنّ الحرب الكونية على سورية فشلت في تحقيق أهدافها، كما أن الحرب الإرهابية التي انطلقت في صيف 2014 في العراق توازياً مع العدوان على سورية فشلت هي الأخرى حيث تمكنت القوى العراقية المتشكلة من الجيش والحشد الشعبي القضاء على مشروع داعش والقاضي بأسقاط العراق وسورية و4 دول عربية أخرى لإقامة «دولة الخلافة الإسلامية المزعومة في العراق والشام».
كان العام 2018 عاماً مفصلياً من أعوام المواجهة بين جبهة دولية إقليمية تقودها أميركا ومحور المقاومة الذي تدعمه في تلك المواجهة روسيا، وفي هذا العام سقط ميدانياً واستراتيجياً مشروع العدوان والسيطرة التامة على المنطقة وفرض على قوى العدوان
البحث عن مخارج لمأزقهم وخيباتهم، البحث الذي تمخض عن فكر عدواني جديد تمثل باستراتيجية عدوانية بديلة تقوم على ثلاثة فروع: اقتصادي وسياسي وأمني، يترجم الجانب الاقتصادي منها بحرب وإرهاب اقتصادي والسياسي بعزل واقتطاع ومحاولة فرض كيانات انفصالية وتجزئة وتقسيم تمنع الاستقرار في المنطقة والأمني يترجم بالتحول إلى الإرهاب والأعمال الأمنية المزعزعة للأمن والاستقرار.
لقد أدرك محور لمقاومة ومنذ شتاء عام 2019 استراتيجية العدوان الجديدة ووضع الخطط لمواجهتها في الساحات والميادين المستهدفة وبشكل خاص في كلّ من سورية واليمن ولبنان وإلى حدّ ما في العراق، وجاءت الخطط تلك متناسبة مع خصوصية كلّ ميدان والقدرات المتاحة أو الممكن اللجوء إليها في هذا الميدان وذاك. وكان الميدان اليمني هو الأكثر حساسية وخطورة في الأمر بعد ظهور إرهاصات مشاريع خطرة تهدّد وحدة اليمن وأمنه ومستقبله وموقعه الاستراتيجي العام.
ولهذا ومع أهمية ما وضع ونفذ في كل من لبنان وسورية منذ عام 2019 لمواجهة قانون قيصر وواقع الاحتلال الأميركي والتركي للشمال السوري، وخطة بومبيو لتدمير لبنان، فقد كان لافتاً وبشدة ما قامت به القوى الوطنية اليمنية الممثلة بأنصار الله الحوثيين وشركائهم من القوى الوطنية والقبائل اليمنية في مواجهة العدوان ومشاريع تفتيت اليمن.
لقد خطط الدفاع عن اليمن لدحر العدوان بحيث أنه أرسي على أركان ثلاثة، أولها الدفاع التقليدي بكلّ وجوهه (الثابت والمتحرك) لمنع العدوان من قضم أو السيطرة على مساحات إضافية في اليمن، وثانيها عمليات الحدود والعمق السعودي لإنتاج حالة الألم الرادع والضغط لوقف العدوان والحصار أو من أجل التخفيف من وحشية الممارسات العدوانية بحق اليمنين، أما الركن الثالث وهو الركن الأخطر الذي صعق العدوان وقواه الإقليمية وقيادته الدولية بزعامة أميركا، هو ركن الهجوم للتحرير ولاستعادة الأرض اليمنية إلى السيطرة والسيادة الوطنية.
وفي التنفيذ تمكنت القوى الوطنية اليمنية من تحقيق النجاح وبشكل متفاوت السقوف على اتجاهات العمل الثلاثة (دفاع هجوم عمق)، ونجحت في تحقيق إنجازات تؤكد للمراقب الموضوعي بأنّ العدوان الخليجي ـ الأميركي على اليمن فشل في كلّ وجوهه على رغم التدمير الهائل والقتل الإجرامي الواسع الذي أنزله باليمن، وعلى رغم التحشيد الدولي الذي يدعمه في مجلس الأمن وخارجه، ورسمت صورة قطعية تقول إن مزيداً من الوقت يعني مزيداً من الخسائر للعدوان ومزيداً من تضخيم ونمو مكاسب القوى الوطنية. وإن مصلحة قوى العدوان عامة والسعودية بشكل خاص تكمن في الإسراع بوقف الحرب والخروج من الميدان قبل أن تزداد غرقاً في وحوله.
لكن قوى العدوان بدءاً من السعودية وصولاً إلى أميركا، يتحاشون التعامل بموضوعية مع الواقع الميداني والسياسي والعسكري ويستمرّون في قراءة المشهد بعين مغلقة، ويريدون وقف الحرب بشروطهم وكأنهم هم المنتصرون، سلوك اعتادته أميركا والغرب دائماً ويتمثل بالقول «السياسة تعوّض خسارة الميدان» بالضغط المتعدّد الأشكال بخاصة الاقتصادي، لكن هذا السلوك لن يحقق أهدافه كما يبدو في اليمن فهل يتراجع أصحابه عنه؟
نعتقد أن الحرب ـ العدوان على اليمن دخلت أسابيعها الحاسمة الآن مع اقتراب قوى التحرير اليمني من مأرب لتحريرها وفرض واقع ميداني جديد عبرها مختلف عن كل ما سبقه، وأن السعودية ترتجف من هذا المشهد الذي يقترب بسرعة ولهذا تستجدي وقف العمليات حول مأرب ومنع تحريرها حتى لا تخسر الورقة المؤثرة الأخيرة في اليمن وهي بسبب ذلك تتصرف بشكل هيستيري
حيال أيّ كلمة أو حدث يتناول وضع اليمن، وما إفراطها بردّ الفعل على توصيف وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي وبشكل موضوعي لحرب اليمن بأنها حرب عبثية إلا شكل من إشكال هذه الهستيريا.
لقد هُزمت السعودية وكلّ شركائها في اليمن كما هُزم المشروع ـ العدوان على سورية ومحور المقاومة وعليها أن تعترف بهذه الهزيمة وتخرج من ميدانيه معتمدة استراتيجية تحديد الخسائر، أما المكابرة والانفعال والهستيريا، فكلها سلوكيات تعمّق المأزق وتضخم الخسارة وتطيل المعاناة، فهل تعي السعودية بشكل خاص هذه الحقيقة وتتخذ القرار الاستراتيجي الذي ينقذها ويخفف من المزيد من آثار الجرائم التي ترتكب بحق اليمن وتتوقف الحرب ليعود اليمن سعيداً بانتصاره؟
نرجو ذلك… لمصلحة اليمن والسلام والأمن الإقليمي والدولي ولمصلحة المنطقة والسعودية ذاتها.