في ظلّ تنامي الخطوات السعوديّة السلبيّة تجاه لبنان ككل، بدأت اصوات من داخل الطائفة السنّية تتعالى وتسأل عن مغزى معاقبة الطائفة من قبل من تعتبرها مرجعيتها الروحية والسياسية، والمغزى من التخلي عن القيادات السنيّة والتوجه في المقابل الى اعتماد حزب مسيحي (القوات اللبنانية) كمتحدث باسمها والباسه عباءة الرعاية والانسجام التام، والحكمة من مثل هذه الخطوة.
مصدر مراقب ومتابع للوضع اللبناني والاقليمي على صلة بواقع الاتصالات الّتي تجري بالنسبة الى التوتر السعودي-اللبناني المستجدّ، رأى ان الحسابات السعودية باتت تحتاج الى إعادة نظر، لأنّ رهان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وضع كل اوراقه في سلة واحدة، امر قد ينعكس سلباً عليه لاعتبارات عدّة.
وفي رأي المصدر نفسه، فإنّ الرياض اختارت ان تلعب ورقتها الاخيرة في لبنان لمواجهة التعنّت الاميركي حيالها، فيما تجري اتصالات حواريّة لم تتوقّف مع ايران، على اكثر من صعيد، بغضّ النظر عن مدى تقدّمها او تراجعها.
ويلفت المصدر الى أنّ ما تقوم به السعوديّة في لبنان، هو سلاح ذو حدّين، فهي تعتبر أنّ السنّة في لبنان هم بمثابة "تحصيل حاصل" ولا حاجة الى كسب مودتهم واستقطابهم، وهو أمر غير بعيد عن الواقع، ولكنّه يشير الى أنه لا بد من الاخذ في الاعتبار الوضع الحالي الذي يعيشه لبنان على الصعد الاقتصادية والمالية والمعيشية، وهو امر غير مسبوق وقد يؤدّي الى تغيير في الاستراتيجيّات المتبعة. ففي السابق، كانت المشكلة سيّاسية وكانت تتم معاقبة شخصية سنّية على حساب شخصيّة اخرى، وعلى أبواب الانتخابات تصطلح الامور او تتمّ معالجتها ببعض المساعدات الصغيرة، اما اليوم فالوضع يختلف بشكل جذري. الكثير من الشريحة السنيّة لم تتقبّل ان تتخلى السعودية عن كل شخصيات البلد السنيّة وتتجه الى معراب وتنصيبها الناطقة الرسمية باسمها، في عزّ حمى موسم الانتخابات النيابية، وما حمله الامر من دلالات.
وتضيف المصادر ان لا مكان للصدفة في توجه السفير السعودي في لبنان وليد البخاري اكثر من مرة (قبل مغادرته لبنان بالطبع) للقاء رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وقيام اللواء اشرف ريفي بخطوة مماثلة تحت ذريعة التضامن مع جعجع في قضية أحداث الطيونة فيما تم بحث امور اخرى لا تمتّ الى هذه الاحداث بصلة، ناهيك عن تحدّث جعجع شخصياً ونواب القوّات اللبنانيّة بلسان السعوديّة وتحديد شروط إعادتها للعلاقات مع لبنان الى ما كانت عليه، بحيث أوحت الامور وكأن جعجع اصبح القائم بالاعمال السعودي في لبنان في ظلّ غياب البخاري.
هذا الامر بدأ يثير جواً من التململ داخل الشارع السنّي، ليس من باب الكره لجعجع، بل من باب عدم جواز تفضيله على شخصيّة سنيّة (اياً تكن)، ولايجوز ان تدخل الرياض في ما اتهمت ايران بالقيام به لجهة تحالف حزب الله مع التيار الوطني الحر لتأمين غطاء مسيحي لها في لبنان، مذكّرة بأنه في حال ارادت السعودية مقاربة الموضوع من وجهة النظر هذه، فالأمين العام لحزب الله هو المخوّل التحدّث باسم ايران في لبنان وليس النائب جبران باسيل، وبالتالي على السعوديّة ان تختار شخصيّة سنيّة تتحدّث باسمها ولتتحالف عندها مع القوّات اللبنانية او غيره من الاحزاب، فتكون الامور متكافئة وعادلة.
لا تزال القيادة السعوديّة تعاني من المشاكل مع الاميركيين، ولعل ما صدر من مواقف لمسؤولين اميركيين من الخطوة الاخيرة لتي اتخذتها هذه القيادة بحق لبنان، تعكس حقيقة هذا الخلاف الذي زاد الرئيس الاميركي تصلّباً تجاه ولي العهد السعودي، فيما باتت دول خليجية اخرى واهمها الكويت "مُحرجة" بين وجوب مساندة السعوديّة وخسارة بعض الامتيازات الاميركيّة والاوروبيّة اذا ما بقيت على مسارها هذا.
ولعل الجواب الاميركي الاكثر وضوحاً بالنسبة الى هذه الأزمة، الموافقة على تدخّل قطر في الوساطة، وهي للمفارقة الدولة التي "غضب" عليها وليّ العهد السعودي الامير محمّد بن سلمان وحاصرها قبل ان تعيد لها واشنطن اعتبارها من دون أيّ خسائر.
وُضعت الرهانات على الطاولة، ويبقى معرفة نتائج دوران عجلة السياسة لمعرفة ما ستؤول اليه الامور.