على غرار برامج "قدرات التحمل" التي نشاهدها على شاشات التلفزيون بين الحين والآخر، حين يضطر المتسابق الى تخطي عوائق وحواجز وتحديات كثيرة ليصل الى مبتغاه النهائي والفوز، يواجه لبنان واللبنانيون يوماً بعد يوم، وفترة تلو الاخرى، تحديات مستدامة ومصائب تكبر ككرة الثلج، احدثها الازمة مع السعودية وبعض دول الخليج. وفي ظل الوضع الاقتصادي المتردي، والوضع المالي المأزوم، والاوضاع الباقية التي تأثرت سلباً بهذين الوضعين، اعتقد اللبنانيون انه لن يكون هناك اي اضافات على هذه الكوارث، فخابوا مجدداً بعد ان نشطت "ماكينات الاحباط" في بث سمومها، وآخرها في هذا السياق التهديد بعودة الاغتيالات وفلتان الوضع الامني، وكأن احداث الطيونة وخطورتها لم تكن كافية لاشمئزاز اللبنانيين ودفعهم الى درجات اضافية من الاحباط.
لا احد يمكنه الغاء اي احتمال في بلد مثل لبنان، وعودة الاغتيالات قد تحصل وهو ليس بالامر المستحيل، ولكن توقيت هذا التحذير وامكان تطبيقه في ظل الدعم الدولي اللامحدود من الاميركيين والفرنسيين لحكومة نجيب ميقاتي من جهة، وبالاخص للجيش اللبناني من جهة ثانية، يثيران الكثير من الشكوك. من القادر اليوم على تنفيذ مثل هذه الخطوة التي تحتاج في الدرجة الاولى الى غطاء دولي غير متوفر حالياً؟ فتداعيات اي عمل من هذا النوع ستنعكس على المنطقة ككل وليس فقط على لبنان، ومثل هذه الموافقة لا يمكن ان تقتصر على اللاعبين الاقليميين، واحد اهم شروطها هي الحصول على "غض نظر" دولي، فهل واشنطن او باريس او لندن او موسكو او بكين على استعداد للدخول في مغامرة من هذا النوع؟ لا شيء يوحي بذلك.
واذا سلّمنا جدلاً ان الموافقة الدولية باتت في متناول اليد، كيف سيكون سيناريو الاخراج اقليمياً في ظل تراجع النفوذ السعودي في لبنان والمنطقة ككل، وتصاعد النفوذ الايراني في المقابل، ومن ستكون الشخصية التي قد يتم اغتيالها؟ والى اي طائفة تنتمي؟ فهل يخاطر احد باغضاب الدول الكبرى اذا ما كانت من الطائفة المسيحية؟ ام سيقبل بادخال لبنان والمنطقة في اتون حرب اسلامية-اسلامية بين السنّة والشيعة اذا ما كانت تلك الشخصية تنتمي الى اي منهما، خصوصاً وان الجهود بذلت وتبذل منذ نحو عقد لسحب اي فتيل لازمة قد تنشأ بين المذهبين الاسلاميين، ستمتد من دون ادنى شك كالنار في الهشيم الى المنطقة والقارة الاوروبية؟ انه السيناريو الاسوأ الذي يمكن ان يعمل عليه احد، وحتى الآن ليس هناك من معطيات او مؤشرات تدفع الى الايحاء بأن الاغتيالات ستعود الى لبنان، او ان احداً على استعداد لتبني هذا الاحتمال حالياً. اما امكان حصول خضّات امنية هنا وهناك، فهو امر آخر وحظوظه اكثر واقعيّة بدليل ما حصل في الطّيونة مثلاً، وما شهدته بعض المناطق في فترة سابقة.
وفي كل الاحوال، لا يمكن اخفاء حقيقة واحدة وهي ان لبنان واللبنانيين هم الضحية الاولى والاخيرة لكل السيناريوهات والتوقّعات المماثلة، لأنّه في حال كانت مجرد شائعات، فإنها تدفع الى الاحباط والقلق والخوف وهي عوامل خطيرة اذا ما اضيفت اليها العوامل القاتلة المتمثلة بالضائقة الاقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة والحياتيّة. اما في حال حصلت، لا سمح الله، وهو امر مستبعد، فسنكون امام كارثة بكل ما للكلمة من معنى، وتكون الدول الكبرى قد اعلنت تخلّيها عن لبنان ولو لفترة محدودة، ولكن في هذا الوقت بالذات، سيكون من الصعب التأقلم مع فلتان الوضع اللبناني، ومن غير المضمون ما يمكن توقعه بالنسبة الى الشرق الاوسط واوروبا ككل، ناهيك عن اعادة خلط نسب النفوذ للدول في هذا البلد، والخسارة التي يمكن ان تلحق بعدد من الدول في هذا السياق.