صحيح أنّ العديد من اللبنانيّين بلغوا مرحلة اليأس من كلّ شيء، وهم لم يعد يُبالون لا بإنتخابات نيابية ولا بغيرها، لكنّ الأصحّ أنّ آخرين في الداخل اللبناني وخارجه أيضًا، ينتظرون هذا الإستحقاق بفارغ الصبر، إمّا لتجديد البيعة لحزب أو تيّار أو زعيم، وإمّا بهدف السعي إلى تغيير هذه المَنظومة من جُذورها. فأيّ مصير ينتظر هذه الإنتخابات النيابيّة، في ضوء مجموعة من التطوّرات المُنتظرة في خلال الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة؟.
أوّلاً: في الخامس من تشرين الثاني جرى نشر قانون الإنتخاب مع التعديلات التي أقرّها المجلس النيابي أخيرًا، في الجريدة الرسميّة، علمًا أنّ الدُستور يمنح الحقّ بالطعن بهذا القانون أمام المجلس الدُستوري ضُمن مهلة 15 يومًا من تاريخ النشر. وقد إستنفد "التيّار الوطني الحُرّ" كامل المهلة تقريبًا لتقديم طعنه بشكل رسمي خلال الساعات المُقبلة، وهو يأمل أن يأخذ المجلس الدُستوري بطعنه الذي يشمل ضرورة عدم المُوافقة على تقريب موعد الإنتخابات، وحقّ المُغتربين بالتصويت لنوّاب يُمثّلون القارات الست، وأهميّة تسهيل تصويت الناخبين عبر إقامة مراكز تصويت كبرى ومركزيّة (ميغا سانتر) وإصدار بطاقة مُمغنطة، إلخ.
ثانيًا: في الحقّ القانوني أيضًا، لدى المجلس الدُستوري مهلة شهر كامل من تاريخ تقديم الطعن رسميًا، لإتخاذ قراره سلبًا أم إيجابًا إزاءه. وإذا كان الطعن سيُقدّم إلزاميًا قبل العشرين من تشرين الثاني، فإنّ قرار المجلس الدُستوري يجب أن يصدر إلزاميًا أيضًا قبل العشرين من كانون الاول المُقبل. وفور تلقّي المجلس الدُستوري الطعن رسميًا، تتمّ دراسته في الشكل، من قبل مُقرّر يُعيّنه رئيس المجلس، وذلك ضُمن مهلة لا تتجاوز العشرة أيّام بحدّها الأقصى، على أن يتمّ بعد ذلك رفع تقرير بالطعن إلى رئيس "الدُستوري" الذي يوزّع بدوره التقرير على الأعضاء لدراسته في المضمون، قبل دعوتهم إلى جلسات مَفتوحة لإتخاذ القرار النهائي بشأنه، ضُمن المُهلة القانونيّة المَذكورة أعلاه، والتي تشمل كامل الخُطوات التنفيذيّة المُتتالية.
ثالثًا: النصاب المَطلوب لإنعقاد المجلس الدُستوري يتمثّل بحُضور 8 من أصل 10 أعضاء على الأقلّ، وتصديق أيّ قرار يَستوجب تصويت 7 أعضاء من المجلس على الأقلّ. ويُراهن "التيّار الوطني الحُرّ" على أنّ المجلس الدُستوري سيقبل الطعن، وهو يأمل أن لا يتمّ تطيير جلسات إنعقاده من خلال عدم تأمين النصاب، للتهرّب من هذا القرار. وفي حال وافق المجلس الدُستوري على الطعن، فإنّ الأوراق تُخلط من جديد، وسيتمّ عندها بالتأكيد إرجاء موعد الإنتخابات، والذي كان قد جرى تحديده في 27 آذار 2022.
رابعًا: أمّا في حال رفض المجلس الدُستوري الطعن، أو جرى إفشال نصاب الجلسات لمنع إنعقاد المجلس، فعندها تتجه الأنظار إلى ما سيحصل بالنسبة إلى مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الذي يجب أن يصدر بحسب القانون قبل 90 يومًا على الأقلّ من موعد الإنتخابات. وبما أنّ هذه الأخيرة مُحدّدة نظريًا-وحتى إشعار آخر، في 27 آذار 2022، فهذا يعني أنّ مرسوم دعوة الهيئات الناخبة يجب أن يصدر في 27 كانون الأوّل 2021 كحدّ أقصى. وبما أنّ هذا المرسوم يحمل تواقيع مجموعة ثلاثيّة، تشمل كلاً من رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة ووزير الداخليّة، فإنّ من شأن غياب أيّ توقيع عنه أن يُبطله. وبالتالي، وبحسب تلميحات من جانب "التيّار"، إنّ الرئيس العماد ميشال عون سيُبقي هذه الورقة في جيبه، حيث أنّ عدم توقيع الرئيس على المرسوم المّذكور سيُؤدّي إلى عدم إجراء الإنتخابات في آذار.
في الخُلاصة، وعلى الرغم من الضُغوط الدَوليّة الكبيرة لإتمام الإستحقاقات الإنتخابيّة في لبنان، فإنّ موعد إجراء الإنتخابات النيابيّة في نهاية آذار، غير مَحسوم بعد. والتطوّرات المُرتقبة خلال الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة حاسمة في هذا السياق. وبحسب التوقّعات التي ستبرهن المرحلة المُقبلة مدى صحّتها من عدمه، من المُرجّح أن تعود الإنتخابات إلى موعدها السابق في أيّار، لكن من دون تبنّي باقي البنود التي سيُطعن بها، بحيث أنّه لا تطيير للإنتخابات بالمُطلق، ولا تعديل في القانون بالجوهر.