منذ بداية الأزمة الدبلوماسية مع بعض الدول الخليجية، لا سيما المملكة العربية السعودية، أظهرت الولايات المتحدة تمسكاً كبيراً بحكومة نجيب ميقاتي الثالثة، الأمر الذي دفع الرجل إلى التراجع عن خيار الإستقالة، بالرغم من أنّ الحملة التي تشنّ ضده كبيرة جداً، من دون تجاهل الدعم الأساسي الذي يحصل عليه من قبل فرنسا.
في الظروف الطبيعية، لم يكن من المنطقي أن يبقى ميقاتي في موقعه كل هذه المدة في ظل هكذا مواجهة مع الرياض، لا سيما أنه لم ينجح في الحصول من الأفرقاء المحليين على أي تنازلات من الممكن أن تساعده على تجاوز الأزمة، حيث كان يطمح بأن تكون إستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي بادرة حسن نية، يقدمها لفتح باب الحوار مع السعودية، لكن اليوم يبدو أن الدعم الأميركي هو الأساس الذي يستند إليه رئيس الحكومة.
في هذا السياق، تشدد مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، على أن الولايات المتحدة، التي تتوافق مع الرياض في النظرة إلى "حزب الله"، أرسلت، في الفترة الماضية، أكثر من رسالة تؤكد دعمها بقاء ميقاتي في موقعه، نظراً إلى أن هدفها الأساسي هو الوصول إلى موعد الإنتخابات النيابية المقبلة، حيث القناعة لديها بالقدرة على قلب موازين القوى من قبل بعض حلفائها ومجموعات المجتمع المدني، لا سيما على الساحة المسيحية.
في المقابل، تلفت المصادر نفسها إلى أن الجانب السعودي، الذي إختار الذهاب إلى المواجهة مع "حزب الله" قبل أشهر قليلة من موعد الإنتخابات، لديه قناعة بأن هذا الإستحقاق لن يقود إلى قلب موازين القوى، بالشكل الذي تتصوره الولايات المتحدة، وبالتالي من المفترض الذهاب إلى سياسة الضغوط القصوى، للإستفادة منها في المسارات التفاوضية القائمة على مستوى المنطقة على أكثر من صعيد قبل فوات الأوان، نظراً إلى أن أي تسوية، بحسب الموازين القائمة اليوم، لن تكون في صالحها.
بالنسبة إلى هذه المصادر، لا تزال الرؤية الأميركية هي التي تتقدم على أي رؤية أخرى في لبنان، الأمر الذي يفسر الحديث المتكرر من جانب واشنطن عن دعم الجيش اللبناني بهدف الحفاظ على الإستقرار المحلي، بالتزامن مع البحث عن كيفية تأمين دعم قطاع الطاقة، الذي يمثّل التحدّي الأبرز لحكومة ميقاتي، بالتعاون مع العديد من الجهات الإقليمية الأخرى، كالعراق ومصر والأردن.
ما تقدم يقود إلى التأكيد بأن الحكومة الحالية تستطيع أن تراهن على ما تقوم به واشنطن، التي تتقاطع مصالحها مع الأفرقاء المشاركين فيها للحفاظ على وجودها، بالرغم من أن ذلك لن يقود إلى عودتها إلى الإجتماع، من دون حصول تسوية كبرى لا تزال معالمها غير واضحة بعد، خصوصاً على مستوى ملف التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت.
في هذا الإطار، تلفت المصادر السياسية المتابعة إلى أن الأمور قد تتبدل في حال تعرض الإستحقاق الإنتخابي لأيّ إنتكاسة، في ظلّ الضبابيّة التي تسيطر على المشهد الحالي، نظراً إلى أن "تطيير" هذا الإستحقاق قد يدفع الولايات المتحدة إلى تبديل رؤيتها، مع العلم أن الأخيرة مرتبطة بعوامل أخرى تتخطى هذا الإستحقاق، منها ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل والمفاوضات النووية مع إيران.
وتشير المصادر نفسها إلى أن الجانب الأميركي، بحسب التسريبات، يضع مهلة زمنية محددة بموعد الإنتخابات النيابيّة لإنجاز إتفاق ترسيم الحدود، حيث كان الوسيط آموس هوكشتاين واضحاً في هذا الأمر عند زيارته إلى تل أبيب، كما أنه يراهن على الوصول إلى إتفاق مع طهران في وقت قريب، نظراً إلى إنشغاله في العديد من الملفات الأخرى التي يعتبرها أهمية، كالصراع مع الصين.
في المحصّلة، تعتبر هذه المصادر أنّ الكرة اليوم في ملعب الأفرقاء اللبنانيين لتفادي إنتقال واشنطن إلى تبنّي وجهة النظر السعوديّة، التي كانت متشدّدة منذ تكليف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الأمر الذي من المفترض أن يتظهر في المرحلة المقبلة من خلال تعاملهم مع مختلف القضايا العالقة.