من المفترض أن يكون هامش المناورات قد تقلّص إلى الحدّ الأدنى بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران للدخول في تفاهمات نهائية حول الملف النووي.
أولى هذه الإشارات الحاسمة جاءت من الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي، حين كشف عن حصول إيران على بعض الأرصدة التي كانت تخضع للعقوبات، وتأكيده أيضاً للرئيس الروسي على جدّية طهران في المفاوضات الهادفة الى إحياء الاتفاق النووي.
ثاني هذه الإشارات جاءت مع رفض رئيس الحكومة الاسرائيلية لقاء المبعوث الاميركي للمحادثات مع ايران روبرت مالي، خلال زيارة الأخير لاسرائيل. وجاء موقف نفتالي بينيت بمثابة الاعتراض الفج على اقتراب موعد العودة الى طاولة المفاوضات.
ثالث هذه الإشارات جاءت مع زيارة وزير الدفاع الاميركي الى المنطقة، والتي تهدف فعلياً الى طمأنة حلفاء واشنطن بالالتزام بأمنهم. ورابعها اعلان ايران عن زيارة قريبة لمسؤول إماراتي كبير.
ففي 29 من الشهر الجاري، ستُستأنف المفاوضات غير المباشرة بين الوفدين الاميركي والإيراني، في جولة هي السابعة منذ تولّي بايدن مهامه الرئاسية، والاولى منذ وصول ابراهيم رئيسي الى رئاسة ايران. ويأتي ذلك بعد تعليق قارَب الثلاثة أشهر ظهرت خلالها شكوك عدة.
في الواقع، فإنّ هامش الوقت اصبح ضيّقاً عند الجميع وخصوصاً لدى ادارة الرئيس جو بايدن. فبعد اقل من سنة، هنالك الانتخابات النصفية، والتي تشير الترجيحات الى خسارة الحزب الديموقراطي الحاكم لأغلبيته في مجلسي النواب والشيوخ.
وفي آخر استطلاع نشرته صحيفة «واشنطن بوست» وشبكة ABC News، انخفضت نسبة مؤيّدي بايدن الى 41% بعدما كانت 52% في الربيع الماضي.
وحتى داخل الحزب الديموقراطي، فإنّ نسبة مؤيّدي بايدن انخفضت من 94% في حزيران الماضي الى 80% الآن. الواضح انّ ادارة بايدن فشلت على المستوى الاقتصادي وفق رأي 70% من الاميركيين، كما انّ صورتها بالنسبة للسياسة الخارجية بدت متردّدة وضعيفة.
لذلك، فإنّ بايدن بحاجة ماسّة لاتفاق مع ايران يساهم في إنعاش العجلة الاقتصادية الاميركية، أو الذهاب الى ضربة عسكرية تعيد لإدارته صورة القوة، وهو ما تفضّله اسرائيل.
وبالتالي، فإنّ عام 2022 سيكون حاسماً بالنسبة لإيران وبطبيعة الحال بالنسبة لإعادة رسم الخارطة السياسية في الشرق الاوسط. لذلك تقدّمت الامارات باتجاه دمشق من خلال زيارة مثيرة ومعبّرة لوزير خارجيتها، استباقاً لمرحلة جديدة قادمة. الواضح انّ الامارات تريد ملء الفراغ الذي خلّفه الانكفاء السعودي عن الساحة، خصوصاً انّ الامارات قلقة من التقدّم الذي تنفّذه تركيا من خلال ترسيخ وجودها العسكري شمال سوريا.
ولذلك، ايضاً تصاعدت وتيرة المعارك في اليمن، حيث تندفع ايران من خلال الحوثيين الى السيطرة على مأرب الموقع الفائق الاهمية.
ومن هنا ايضاً رفع مستوى الضغط الخليجي على لبنان، ومن خلاله على «حزب الله»، ولا مانع من ان تكون الرسالة اللبنانية موجّهة في احد جوانبها الى ادارة جو بايدن التي لا تزال علاقتها باردة بولي العهد السعودي.
ووفق التوقيت نفسه، زار وزير الخارجية التركية مولود جاويش اوغلو بيروت. الزيارة استبقت التحضيرات الجارية لتدشين رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي زياراته الى الدول العربية، من خلال اعتماد القاهرة كمحطة اولى، وذلك بسبب اقفال العواصم الخليجية أبوابها امام لبنان.
ومصر التي تتولّى مشروع مدّ لبنان بالغاز في اطار المساعدة على تجاوز ازمة الطاقة الكهربائية التي تكاد تخنقه، تحضّر الأجواء لدور سياسي لها على الساحة اللبنانية كبديل من الانكفاء السعودي الحاصل.
وبالطبع، فإنّ الدخول المصري لا بدّ ان يرتكز على الساحة السنيّة التي تعاني من خضات عدة.
المهمة الاولى التي تولّتها مصر في هذا الإطار، كانت عبر مساعدة الرئيس ميقاتي على تذليل بعض العقبات التي اعترضت ولادة الحكومة.
وقبل زيارة ميقاتي الى مصر، وصل اوغلو الى بيروت حاملاً دعوة رسمية لرئيس الحكومة اللبنانية لزيارة تركيا.
وبخلاف بعض التفسيرات المتسرّعة، فإنّ زيارة وزير الخارجية التركية لم تكن موجّهة ضد ايران لا بل على العكس، بدليل انّ اوغلو تقصّد الوصول الى لبنان مباشرة بعد انتهاء زيارته الى طهران.
تركيا تدرك انّ نفوذها الذي كرّسته شمال سوريا، سيكون اكثر فعالية اذا عززته بحضور سياسي في لبنان، حيث الساحة السنّية تعاني من إرباكات عدة وفراغ سياسي، أضف الى ذلك انّ لتركيا حضوراً ولو بالحدّ الادنى في شمال لبنان، وخصوصاً في منطقتي عكار وطرابلس.
في السابق وتحديداً غداة انفجار الرابع من آب، كان وزير الخارجية التركية من اول الواصلين الى لبنان، وقد جاء على رأس وفد بعد مغادرة الرئيس الفرنسي وقدّم مساعدات.
الواضح انّ ثمة سباقاً لملء الفراغ الناجم عن الابتعاد السعودي عن الساحة السنّية، وهو ما ستظهره الانتخابات النيابية المقبلة.
ولم يعد خافياً انّ هذه الانتخابات ستواكب اعادة رسم الخارطة السياسية الجديدة للشرق الاوسط. والواضح انّ الساحتين المسيحية والسنّية هما الاكثر تأثراً بالتغييرات والتبدّلات. وبخلاف ما توقعه كثر، من بينهم خبراء، بأنّ المشاركة ستكون منخفضة، إلّا أنّ تهافت اللبنانيين المقيمين في الخارج، على التسجيل للمشاركة في العملية الانتخابية تظهر عكس ذلك.
لا بل انّ نسبة التسجيل المرتفعة خصوصاً في اوروبا ودول الخليج، وهي الوجهة التي اعتمدها معظم اللبنانيين الذين غادروا قسراً خلال السنتين الماضيتين، تعطي فكرة واضحة حول كيفية اقتراع هؤلاء. لكن المسألة الابرز والاهم تبقى في حصول التفاهم الاميركي - الايراني، وهو ما يعني انّ الاشهر المقبلة من المفترض ان تشكّل منعطفاً اساسياً للمنطقة وللبنان بطبيعة الحال، إن من خلال نجاح المفاوضات وحصول التفاهمات المطلوبة، والتي سيواكبها لبنان انطلاقاً من الانتخابات النيابية المقبلة، وصولاً الى تسوية شاملة وعريضة تترافق مع الانتخابات الرئاسية، والتي من المرجح ان تسبقها فترة فراغ رئاسي وشدّ حبال وعضّ اصابع، او بفشل المفاوضات. وبالتالي تصبح عندها كل الامور مفتوحة، بما فيها احتمال نشوب حرب جوية وصاروخية واسعة، لن توفر لبنان بطبيعة الحال، حيث من الممكن ان تتدحرج الامور وتأخذ طابع الحرب البرية. وعندها ستفرض النتائج حسابات اخرى ومختلفة.
الأكيد انّ مرحلة اللاتسوية واللاحرب تشارف على الأفول.