صحيح أنّ مسألة تنظيم الإنتخابات النيابيّة هي محلّ تشكيك حتى اللحظة، وصحيح أنّه لم يتمّ بعد عقد أيّ تحالف نهائي ورسمي بين القوى والتيّارات السياسيّة المُختلفة، لكنّ الأصحّ أنّ بعض الدوائر بدأت تشهد إتصالات ناشطة، أقلّه لجسّ النبض. وفي هذا السياق، تردّد أنّ دائرة "جبل لبنان الرابعة" التي تضمّ الشوف وعاليه، قد تشهد معركة حامية جدًا، في حال صحّت الأقاويل عن نيّة كلّ من رئيس حزب "التوحيد" وئام وهّاب ورئيس الحزب "الديمقراطي" طلال أرسلان، الترشّح ضمن لائحة إنتخابيّة واحدة تضمّ أيضًا مُرشّحي "التيّار الوطني الحُرّ"، وذلك في مُواجهة ما يتردّد عن لائحة مُشتركة ستضمّ مُرشّحي حزبيّ "الإشتراكي" و"القوات" وتيّار "المُستقبل"، ناهيك عن لائحة أو لوائح "المُجتمع المدني" وغيرها.
بداية لا بُد من التذكير أنّه في إنتخابات العام 2018 النيابيّة، حصدت لائحة إئتلاف "الإشتراكي" و"القوات" و"المُستقبل" 9 مقاعد من أصل 13 مقعدًا، في حين نال التحالف بين "التيّار" و"الديمقراطي" المقاعد الأربعة الباقية، وخسر المُرشّحون الآخرون جميعهم، بما فيهم الوزير السابق وهّاب. فما الذي سيتغيّر في حال شارك كلّ من أرسلان ووهّاب في لائحة واحدة إلى جانب "التيّار"؟.
لا شكّ أنّ إنقسام مرشّحي "المُجتمع المدني" على أكثر من لائحة في الإنتخابات النيابيّة الماضية، حرمهم من الإستحواذ على "الحاصل الإنتخابي"، ومن شأن توحّدهم هذه المرّة ضُمن لائحة واحدة مُتماسكة أن يرفع إحتمال إختراقهم بنسبة كبيرة، بحسب ما سجّلوه من أرقام في الإنتخابات الماضية، علمًا أنّ الإحتمالات مَفتوحة أيضًا تبعًا للتموضع الذي سيختاره حزب "الأحرار" الذي يملك كتلة ناخبة في الشوف خُصوصًا، ولتموضع حزب "الكتائب" أيضًا. لكنّ هذا الأمر لن يُغيّر واقع أنّ المعركة الأمّ-إذا جاز التعبير، ستكون بين "الإشتراكي" من جهة وكل من "الديمقراطي" و"التوحيد" من جهة أخرى على الساحة الدُرزيّة، وبين "التيّار" و"القوات" على الساحة المسيحيّة.
تذكير أيضًا أنّ لائحة الوزير السابق وهّاب كانت فشلت خلال الإنتخابات الماضية في تأمين الحاصل الإنتخابي بفارق بسيط بلغ بضع مئات إضافيّة من الأصوات فقط. ولو حصل هذا الأمر آنذاك، لكان وهّاب (نال 7340 صوتًا) ليفوز عن أحد المقعدين الدرزيّين في الشوف، على حساب الوزير السابق مروان حماده (نال 7266 صوتًا). وتبعًا لحسابات محور المُمانعة، إنّ إنضمام وهّاب إلى لائحة أرسلان-"التيّار"، سيُؤدّي إلى فوز "الزعيمين" الدُرزيّين إلى جانب مجموعة من مُرشّحي "التيّار". لكنّ الحزب "الإشتراكي" ينطلق من مُقاربة حسابيّة مُختلفة، ويعتبر أنّ ترشّح وهّاب وأرسلان ضُمن لائحة واحدة لن يؤمّن فوزهما معًا، وسيُهدي الفوز لآخرين!.
وفي هذا السياق، في إنتخابات العام 2018، نالت لائحة وهاب 12796 صوتًا، ونالت لائحة تحالف "التيّار"-أرسلان 39027 صوتًا، أي ما مجموعه 51823 صوتًا للائحتين مُجتمعتين، في مقابل نيل لائحة إئتلاف حزبي "الإشتراكي" و"القوات" مع تيّار "المُستقبل" 98967 صوتًا. وإذا إحتسبنا ما ناله المُرشّحون الدُروز حصرًا على اللائحتين، نجد أنّ لائحتي وهاب وأرسلان مُجتمعتين حصدتا 16382 صوتًا إنتخابيًا لأربعة مُرشّحين دُروز، بينما اللائحة المُقابلة حصدت 32832 صوتًا لثلاثة مُرشّحين دروز فقط، بإعتبار أنّ رئيس الإشتراكي وليد جنبلاط كان ترك في حينه مقعدًا درزيًا خاليًا في عاليه عمدًا. وبالتالي، لا شيء يضمن أنّ يؤمّن الصوت التفضيلي الصافي للمُرشّحين الدروز، فوز كلّ من أرسلان ووهاب معًا، حتى لوّ قام "حزب الله"- بما يملكه من أصوات قليلة نسبيًا في هذه الدائرة، برفدهما بها. أكثر من ذلك، في حال تحوّلت المُنافسة الإنتخابيّة إلى معركة كسر عضم على الساحة الدُرزيّة، يدرس "الإشتراكي" هذه المرّة قرار ترشيح أربع شخصيّات درزيّة للمقاعد الأربعة في هذه الدائرة، والأهمّ أنّه قد لا يوزّع جزءًا من الأصوات الدُرزيّة التي تؤيّده على مرشّحين مسيحيّين يدورون في فلكه، كما فعل في إنتخابات العام 2018 (ذهبت خُصوصًا لصالح نعمة طعمه الذي نال 7253 صوتًا وهنري حلو الذي نال 7894 صوتًا)، حيث سيُوجّه قوّته الحزبيّة التجييريّة نحو مُرشّحيه الدُروز حصرًا، لإغلاق الباب على خُصومه ضُمن بيئته، ما سيرفع إحتمالات فوزه بثلاثة مقاعد درزيّة على الأقلّ، وربّما بالمقاعد الأربعة أيضًا! وبحسب قراءات إنتخابيّة حزبيّة أوّليّة، إنّ ترشّح كلّ من أرسلان ووهاب ضُمن اللائحة نفسها، لن يؤدّي إلى فوزهما معًا، بل سيفوز أحدهما على حساب الآخر في أفضل الأحوال، بينما ستستفيد اللائحة التي يخوضان ضُمنها المعركة الإنتخابيّة، من حاصل إنتخابي أعلى. وبالتالي، الفائز الفعلي ضُمن اللائحة ككلّ، سيكون "التيّار الوطني الحُرّ" الذي سيحصل على أصوات إضافيّة ستعود لمرشّحيه المسيحيّين، لأنّ "الإشتراكي" سيُؤمّن لمرشّحيه الدُروز أصوات تفاضلية يصعب تجاوزها من المُرشّحين الدُروز المُنافسين!.
في المُقابل، الصُورة لا تزال ضبابيّة في المقلب الآخر، حيث أنّ المصلحة الإنتخابيّة تُحتّم تحالف "الإشتراكي" مع كل من "القوات" و"المُستقبل"، لكنّ العلاقات غير المُستقرّة بين هذه القُوى، قد لا تسمح بولادة هكذا إئتلاف إنتخابي، وعندها ستختلف صُورة المعركة كليًا، وستتبدل موازين القوى في دائرة "الشوف-عاليه" الإنتخابيّة، مع التذكير أنّ "القوات" كانت حصدت في إنتخابات العام 2018 الماضية 17828 صوتًا صافيًا لمُرشّحَيها جورج عدوان وأنيس نصّار اللذين فازا، و"المُستقبل" كان حصد 23493 صوتًا صافيًا لمُرشّحيه الثلاثة: محمد الحجّار وبلال عبد الله (فازا) وغطاس خوري الذي خسر على الرغم من نيله 4998 صوتًا.
في الختام، لا يُمكن حسم نتائج المعركة الإنتخابيّة بشكل حازم من اليوم، طالما أنّ لا موعد الإنتخابات نهائي، ولا التحالفات نهائيّة، ولا اللوائح نهائية! لكن كقراءة أوّليّة، الحديث عن فوز حتمي لكل من أرسلان ووهاب بمقعدين دُرزيّين من أصل أربعة، في حال خاضا المعركة ضُمن لائحة واحدة، غير دقيق إطلاقًا!.