على الرغم من المعلومات المتضاربة حول أجواء اللقاء الذي جمع كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، على هامش الإحتفال بعيد الإستقلال يوم الاثنين الماضي، إلا أن المسار الإيجابي، الذي كان يصر ميقاتي على التحدث عنه منذ ما قبل هذا اللقاء، يبدو أنه يسير بالإتجاه الصحيح.
ضمن هذا السياق، يبدو أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة على هذا الصعيد، خصوصاً أن هامش المناورة بات يضيق أمام الجميع، في ظلّ التحذيرات التي تولت نقلها العديد من الجهات الدولية الفاعلة من مخاطر الفراغ، الذي قد يقود إلى التأثير على موعد الإنتخابات النيابية، الأمر الذي يعتبر، بالنسبة إلى بعض هذه الجهات، من المحرمات.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن مسار الحل المقترح يقوم على معالجة الأسباب التي أدّت إلى تعطل مجلس الوزراء، بدءاً من قضية التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، من خلال التوافق على حلّ يقوم على عدم "تطيير" المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار، لكن مع ترك ما لا يدخل بصلاحياته إلى المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهو السيناريو الذي تم الترويج له خلال الجولة التي قام بها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على كل من عون وبري وميقاتي.
من وجهة نظر هذه المصادر، هذا الحلّ يتوافق مع مطالب "حزب الله" و"حركة أمل"، التي تقوم على أساس إحترام الصلاحيات، كما أنه يتوافق مع ما ينادي به كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، أي عدم التدخل في القضاء، وتذكر بأن ميقاتي هو في الأصل يعتبر أن صلاحية ملاحقة الرؤساء والوزراء والنواب تعود إلى المجلس الأعلى، وبالتالي هو يشجّع هكذا حلّ يعيد حكومته إلى الحياة من جديد، لا سيما أن إدارة الأزمة عبر اللجان الوزارية أثبتت عدم فعالتيها.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن الخطوة الثانية، التي ستلي التوافق على هذا الحلّ القضائي، ستكون الذهاب إلى طاولة مجلس الوزراء لمعالجة الملف السياسي الساخن، أيّ إستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي من منصبه، لكن من دون أن يكون ذلك على قاعدة الفرض أو الكسر، بل من خلال أن يذهب هو إلى هذه الخطوة، سواء كان ذلك قبل إنعقاد الجلسة أو خلالها، بحيث تكون نتيجة مشاورات حصلت على طاولة مجلس الوزراء، الأمر الذي ألمح إليه قرداحي في وقت سابق.
وفي حين تشير المصادر السياسية المطلعة إلى أنّ هذا الأمر من المفترض أن يترجم عملياً بعد عودة رئيس الحكومة من زيارته إلى الفاتيكان، توضح أن هناك ضغوطاً كبيرة لكي يتم الإنتهاء من المسألة في بداية الشهر المقبل، تحديداً قبل بداية جولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الخليج في الرابع من كانون الأول، التي يستهلها من السعودية، نظراً إلى أن ورقة الإستقالة من الممكن أن يستخدمها من أجل فتح باب الحوار بين بيروت والرياض.
وبالرغم من أن هذه المصادر تؤكّد أن ذلك قد لا يعني معالجة الأزمة الدبلوماسيّة القائمة، إلا أنّها تلفت إلى أن الإستقالة باتت ضرورية لتحريك المياه الراكدة، خصوصاً أنّ الرياض لن تذهب إلى فتح أبواب الحوار قبل ذلك، وهو ما دفع الجانب القطري إلى التراجع عن الزيارة التي كان ينوي وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني القيام بها إلى بيروت، بناء على ما تم الإتفاق عليه بين أمير قطر تميم بن حمد ورئيس الحكومة على هامش قمة غلاسكو للمناخ.
في المحصلة، تجزم المصادر نفسها بأن هذا هو المسار الوحيد لمعالجة الأزمات التي تواجه حكومة ميقاتي الثالثة، وتؤكّد أن معالمه من المفترض أن تتضح في الأيام المقبلة، لكنها لا تلغي فرضية سقوطه من جديد بسبب عدم الوصول إلى إتفاق نهائي حوله، لا سيما أن الخطوات المطلوبة مترابطة، وسقوط أي منها يعني سقوط الحل الشامل برمته.