لا شك ان لبنان ينظر الى اسرائيل على انها دولة عدوة لاعتبارات كثيرة اولها وليس آخرها انها لا تزال تحتل ارضاً لبنانية، وعينها على ثروات النفط والغاز والمياه... ناهيك عن ارواح الشهداء الذين سقطوا في وجه غزواتها للحدود اللبنانية. واعتبار اسرائيل دولة عدوّة، يفرض على لبنان ان ينظر بعين الجدّية وان يعمد الى تقييم موضوعي ووازن لكل ما تقوم به، ويمكن أن يؤثّر عليه سلباً. من بين هذه الامور التي يجب ان ينظر اليها اللبنانيون بعين القلق، قرار صدر بالامس حول زيادة بنسبة 50 في المئة على رواتب ضباط وعناصر الجيش الاسرائيلي. قد يكون الخبر عادياً لو اتى في ظروف عادية، ولكن في هذه الظروف الاستثنائية التي يمرّ بها العالم، فإنّ الخبر له قيمته ومدلولاته، وهو يؤثر بشكل جدّي على لبنان. فمن الناحية العسكريّة، يأتي هذا القرار الاسرائيلي ليريح القيادة هناك بعد ان تزايدت الاخبار والمعلومات عن فرار جنود اسرائيليين من مراكزهم، وعن ازمة يعيشها الجيش الاسرائيلي بفعل الاوضاع الاقتصادية السيئة وعدم الجهوزيّة لمواجهة حرب شاملة قد تضم الاراضي الفلسطينيّة المحتلّة من جهة والاراضي اللبنانيّة من جهة ثانية في الوقت نفسه.
ازاء هذا الوضع، عمدت القيادة الاسرائيلية الى "اغراء" جنودها، فعمدت الى تقديم هذه الزيادة على الراتب، ولتضاف الى قدرات تكنولوجية حربية متقدمة ومتطورة، تساهم في ابعاد الجنود عن الخطر المباشر قدر الامكان، وكلها عوامل تطمئن ضباطها وجنودها الى اهتمام السلطة السياسية بهم، وهو عامل معنوي وحافز كبير كي يعطي الجندي كل ما عنده في المقابل.
على خط آخر، يعيش لبنان اسوأ ازماته على مرّ التاريخ، في ظلّ اوضاع مأساوية على الصعد السياسية والامنية والمالية والاقتصادية والمعيشية... والجيش اللبناني ليس بعيداً عن هذه الاجواء، لا بل هو كغيره من اللبنانيين، في وسطها تماماً. وفي حين تسعى دول عدة الى دعم الجيش بالاموال والعتاد، فإن الفارق في التسلح لا يقارن بينه وبين الجيش الاسرائيلي، ولا يملك مقدار ربع ما تملكه اسرائيل من تجهيزات عسكرية متطورة. وعلى الرغم من ذلك، هناك من يدعو الى ان يتسلم الجيش المهام على الحدود ويبسط نفوذه هناك وعلى الحدود الشماليّة والبقاعيّة لتسييج لبنان، ولكن هل يمكن لهذه الامنية ان تتحقق بالفعل؟ ام انها مجرد اضغاث احلام لا سبيل الى وصولها على ارض الواقع؟.
وضع الجيش اللبناني مزرٍ، وبات اليوم وللاسف، يحتاج الى هبات ومقومات لدعم صموده حياتياً ومعيشياً، وبات مطلبه الاول تأمين الغذاء اليومي وطمأنة الجندي الى مصير عائلته واهله، وهي امور تشتت الذهن وتُفقد اي عاقل تركيزه، فكيف بالحري اذا كان في مواجهة جيش يتفوق عليه بالعتاد والعدد؟ يجول قائد الجيش العماد جوزف عون شمالاً وجنوباً في العالم لتأمين الحاجات الاساسية لضباط وعناصر الجيش، وبتنا نشاهد للمرة الاولى طائرات تحط في مطار بيروت الدولي، حاملة معها مواد غذائية لصالح العسكريين، من مختلف دول العالم. لم يعد المطلوب تأمين السلاح، لانه لن ينفع اذا لم يكن حامله او من يستعمله قادر على التركيز والعطاء براحة بال، بأن من يدافع عنهم يستطيعون العيش بأمان. لا يقوم الجيش الاسرائيلي بنصف ما يقوم به الجيش اللبناني من مهام، وعلى الرغم من ذلك، هاهم الاسرائيليون قد اقروا زيادة بمقدار 50 في المئة على الرواتب، فيما الجيش اللبناني غير قادر على اقرار زيادة 5 في المئة، وحين يتحدث احد عن زيادة يجب ان تعطى للجيش، يتعرض لحملة انتقادات عنيفة تجعله يشعر وكأنه ارتكب خيانة، فيما الواقع يفيد ان الاموال التي تذهب الى ضباط وعناصر الجيش هي المتّجهة الى المكان الصحيح، بدل ان تهدر على هذا وذاك من الشخصيّات، التي لن تفعل سوى زيادة الاذية للشعب.
حرام ان نبقى متفرّجين على الجيش يناشد العالم تقديم الطعام والغذاء له، فيما كل دول العالم تكرّم جيشها بكل الطرق الممكنة.