من الممكن أن تكون الخلوة «الثلاثية» التي انعقدت في قصر بعبدا عقب الاحتفال «البروتوكولي» الذي جرى في اليرزة احتفاءً بعيد الاستقلال قد كسرت الجليد بين الرؤساء الثلاثة الذين كانوا قد جلسوا جنباً إلى جنب من دون تبادل أطراف الحديث قبل ان يصعدوا بسيارة واحدة إلى القصر الجمهوري. وقد ذهب البعض إلى حد التوقع بإمكانية أن تكون هذه الخلوة قد رست على توافق ما يُخرج الحكومة من عنق التجاذب الذي أدى إلى توقف جلسات مجلس الوزراء عن العمل،وبالتالي جعل عمل الحكومة خارج الخدمة والاستعاضة عن ذلك بعقد جلسات وزارية على نطاق ضيق في السراي بحسب الحاجة.
ويستند هؤلاء في تفاؤلهم إلى انه لو لم يكن هناك من مناخات جديدة وجدية لما كان صعد رئيسا المجلس والحكومة إلى قصر بعبدا برفقة رئيس الجمهورية للبحث بالمواضيع الخلافية المسببة بتعليق جلسات مجلس الوزراء وضرورة معالجتها بشكل سريع لتمكين الحكومة من الالتئام ومقاربة الملفات الضرورية والتواصل مع الخارج ولا سيما صندوق النقد الدولي للشروع في الورشة الاصلاحية التي بلا شك تحتاج إلى مؤازرة مالية من المجتمع الدولي.
في مقابل ذلك، تقول أوساط سياسية أن الأزمة السياسية الموجودة لا يمكن معالجتها من خلال خلوة ما كانت الظروف مهيأة لها لو لم يكن الرؤساء الثلاثة قد اجتمعوا بحكم الضرورة باحتفال عيد الاستقلال، بل إن هذه الأزمة تحتاج إلى مزيد من اللقاءات والاتصالات، ولا سيما أن ما تسرَّب من معلومات عن خلوة بعبدا، لا يوحي بأن الرؤساء الثلاثة قد توافقوا على حل من شأنه أن يحرك عجلة مجلس الوزراء من جديد، على الرغم من إيحاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي برغبته بدعوة المجلس إلى الانعقاد بعد عودته من روما التي سيزورها هذا الاسبوع.
هل ترتد المساعدة الاجتماعية سلباً على الموظفين على غرار ما حصل عند إعطاء سلسلة الرتب والرواتب؟
وبحسب هذه الاوساط ان الرئيس ميقاتي ما كان ليؤكد بأنه سيدعو قريباً إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء لو لم تكن لديه معطيات تدفعه إلى هكذا اعلان، ولا سيما ان جرعات الدعم الدولية لرئيس الحكومة لا يزال منسوبها عالياً، وهو تلقى جرعة اضافية من اعضاء الكونغرس الاميركي الذين زاروا لبنان نهاية الأسبوع الفائت مؤكدين حرصهم على دعم الحكومة وضرورة الشروع في الإصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي، اضافة إلى حث لبنان على الاسراع في ترسيم الحدود البحرية في الجنوب، ناهيك عن دعم أي خطوة تقوم بها الحكومة في اتجاه عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
لكن ووفق ما تملك هذه الاوساط من معطيات ومعلومات لا يجعلها في موقع التفاؤل بقرب حل أزمة تعليق جلسات مجلس الوزراء، كون أن الأسباب التي ادت إلى ذلك لم تنتفِ بعد، وأن مواقف الأطراف المعنية لا تزال على حالها ولم يطرأ أي جديد على مستوى الاتصالات الجارية، إن كان في ما خص المحقق العدلي في تفجير المرفأ القاضي طارق بيطار، أو التحقيقات بشأن أحداث الطيونة – عين الرمانة الأخيرة، أو على خط الأزمة الناشئة بن لبنان ودول الخليج وتحديداً المملكة العربية السعودية على خلفية موقف الوزير جورج قرداحي من حرب اليمن.
وفي رأي الأوساط ان الوضع اللبناني من جميع جوانبه غير مريح في هذه المرحلة حيث لم يسجل أي تراجع في المواقف لدى الأطراف، وأن ما زاد الطين بلة الموقف الرافض للرئيس عون لاجراء الانتخابات في آذار المقبل، وكذلك رفضه إقالة القاضي بيطار، وفي المقابل يريد انعقاد مجلس الوزراء.
وتستبعد الأوساط حصول تسويات ولو مرحلية في هذه الآونة، معتبرة أن ما حصل في خلوة بعبدا يترجم صعوبات إبرام أي تسوية ولو جزئية أو مؤقتة، معتبرة ان ما اعلن في الاسبوع المقبل عن مساعدات اجتماعية وزيادة في بدل النقل دخل في بازار المزايدات عشية البدء بالتحضير لخوض الانتخابات، متمنية ألا يرتفع سعر صرف الدولار مع البدء في دفع هذه المساعدة للموظفين على غرار ما حصل نتيجة اعطاء سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام.
وتلفت اوساط سياسية اخرى النظر إلى ان هذا الاسبوع سيكون حافلاً بالاتصالات العلنية والبعيدة عن الأنظار بغية الوصول إلى تسوية تطوي معها الملفات الخلافية، وذلك في ضوء تبلُّغ المسؤولين اللبنانيين رغبات دولية ولا سيما أميركية وفرنسية بضرورة الاستفادة من المناخات الدولية الداعمة للبنان والذهاب في اتجاه ترتيب البيت الداخلي الذي يبدأ بالإصلاحات ولا ينتهي بالحفاظ على المواعيد الدستورية لإجراء الانتخابات النيابية التي يعوّل عليها المجتمع الدولي لإحداث تغييرات جوهرية في الخارطة السياسية الحالية تؤدي إلى وضع لبنان على سكة الحلول والافساح في المجال أمام الدول المانحة لدعم لبنان وإخراجه من أزماته، وهذه المناخات عكسها وزير خارجية أميركا انتوني بلينكن، وسفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريو في مواقفهما بمناسبة عيد الاستقلال حيث أعرب بلينكن وغريو عن استمرار وقوف بلديهما إلى جانب شعب لبنان في هذه الظروف الصعبة، في موازاة حث المسؤولين على تحمل مسؤولياتهم وعدم الانتظار اكثر للولوج في معالجة اسباب الأزمات الموجودة في لبنان على اكثر من صعيد.