بينما نعيش أسوأ أزمة لبنانية وعالمية عرفها العالم في العصر الحديث، يتوقع المواطن ان تكثف الحكومة اجتماعاتها وتعمل ليل نهار سعيا للخروج من المحنة، أو على الأقل لاتخاذ اجراءات تخفف عن المواطن بعض المعاناة. وبدل ذلك نراهم يتفنّنون ويتقنون صنوف التعطيل، كل فريق من السياسيين يضع شروطه والا فلا اجتماعات ولا عمل ولا نشاط.
في هذا الاطار احتسبت أحد التقارير فترات الفراغ في سدّة الرئاسة سابقًا، وفي فترات تشكيل الحكومة وتعطّل المجلس النيابي فتبيّن ان المدة فاقت التسع سنوات! أليست هذه جريمة بحق اللبنانيين؟ متى ستصحو ضمائر المسؤولين؟ كم كلّف الاقتصاد هذا التعطيل؟ وكم تأخّرت المشاريع والقوانين؟ هل هو عقم يستوجب تغيير النظام او الصيغة التوافقية وما هي الأفكار المطروحة لحل هذه المعضلة؟!.
قدر مستشار سابق للبنك الدولي الخسارة الاقتصاديّة لكل يوم تعطيل بـ90 مليون دولار، ولكم ان تحتسبوا سنوات من النكد وراحة المسؤولين لتعرفوا حجم الكارثة. ويقول الباحث الاقتصادي البروفسور روك انوان مهنا ان الخسارة لا تقتصر على المبلغ المذكور يوميا، بل اكثر، لان هذا الامر يخلق تأثيرا سلبيا على سعر الصرف، ونحن يلزمنا اليوم خلية ازمة تعمل 24 على 24 لحل الامور الحياتية اليومية، من سعر صرف وغلاء الاسعار والتضخم وسعر المحروقات والادوية والغذاء. كما اننا بأمس الحاجة للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي كحكومة، وكل يوم تأخير يكبّر فجوة الخسارة، والوقت الذي يلزمنا لاعادة الانتعاش للإقتصاد يطول، وكلما تأخرنا في البرنامج الانقاذي تصبح الكلفة اعلى والمدّة اطول لاعادة الانتعاش.
واشار الى اننا صحيح نعاني من أزمة نظام، وبدعة الديمقراطية التوافقية الّتي تشلّ حركة المؤسسات والنظام التشغيلي، الّذي نحن بأمسّ الحاجة الى آخر جديد، بغض النظر عن اي طرف سياسي يلجأ الى التوقف عن العمل ويشل حركة الحكومة. وأشار البروفسور مهنا الى ان اعتماد اللامركزية تحل هذه المشكلة لكن للأسف لم تزل حبرا على ورق، مع العلم انها متفق عليها في الطائف، وفي ظلّ عدم وجودها هناك فكرة ان تحكم الموالاة وتبقى المعارضة خارج الحكم كما يحصل في بلدان اخرى، والا سيشل الفريق المعترض عمل الحكومة، فتتراكم الخسائر يوميا على حساب جيبة المواطن.
رئيس تجمع رجال الاعمال اللبنانيين في العالم د. فؤاد زمكحل رأى من جهته ان الشلل أصبح من ضمن بيئتنا وحياتنا، واذا راقبنا الفترات التي كان البلد يعمل فيها، (وأقصد في وزارة رسمية او مجلس نواب وبدون اي فراغ في اي مركز) يمكن ان نحصي اياما وليس اسابيع او اشهر. واليوم نعرف انه بحسب دستورنا يجب ان يكون لدينا سلطة تنفيذية تأخذ قرارات تنفذ وتلاحق، وسلطة تشريعية تقرّ قوانين ورؤساء ومدراء عامين. لكن اذا نظرنا الى لسنوات خلت نلاحظ ان الفراغ كان مرافقا لنا في مواقع عدّة، و لهذا السبب نحن لا نتقدم بل نتراجع يوما بعد آخر، لأن الادارة هي وضع خطة استراتيجيّة تتبع، وحين نصل الى بعض المكاسب او النجاحات ننتقل الى خطة ثانية. ولفت زمكحل الى انه يكفي ان ننظر الى الناتج المحلّي في لبنان وكم تراجع وكم تبلغ الخسائر المباشرة وغير المباشرة لهذه السياسة التي تؤخر الاقتصاد والشركات والانماء، لكنها في المقابل تربح السياسيين وتساعدهم على الاستمرار وتقوّيهم في مراكزهم.
واوضح الى اننا حين نتحدث عن الديمقراطية التوافقية، فهناك تناقض مباشر في العنوان لأن في الديمقراطية لا يوجد توافقيّة وهذا اخترعناه في لبنان لأنها تعني القبول بتصويت الاكثرية، وهكذا تسير الامور في بلدان اخرى، لكن اذا اردنا اتخاذ اي قرار في البلد يجب ان يوافق عليه كل الاحزاب و18 طائفة وكل الاشخاص المعنيين، فلا نصل الى اي نتيجة. وهنا أعني بأنه وجب وجود توافق بمعنى تجاذب وتنافس بالافكار ليكون في الارضية المثالية للتنافس اي في مجلس النواب الذي يمثّل الشعب اللبناني لا في مجلس الوزراء، لانه كيان وظيفته الادارة وليس ابدا بالتوافق، بل باتباع استراتيجية واضحة تبعا لخطة يقتنع الجميع العمل بها واذا نجحت، يعني الكل نجح. لكن لسوء الحظ اليوم فانّ اي تكتل لديه ما لا يعجبه يمكنه ان يوقف العمل ويشلّ، ومن يعترض تلصق به تهم التخوين، فلا يمكننا ان ندير بهذه الطريقة لا شركاتنا ولا البلد، يجب على الجميع السير بالعمل حين يكون هناك مصلحة مشتركة للبلد والمواطنين.