تترقّب عواصم العالم مسار مفاوضات فيينا التي ستجري في محطّتها الجديدة نهاية الشهر الجاري. يحرص الأوروبيون على تحقيق إنجاز يُفضي إلى حصول إتفاق بين الغرب وطهران، وتريد واشنطن إنهاء ملف دسم من أجل التفرّغ للنزاع البارد حالياً بين الولايات المتحدة الاميركية والصين، ويريد الإيرانيون تفاهماً نهائياً مع واشنطن يُبعد عن الجمهورية الاسلامية تداعيات العقوبات الإقتصادية التي تُتعب الإيرانيين منذ سنوات، ويهتم العرب وكل دول الاقليم لمعرفة مسار التفاوض بين ايران والغرب، والانعكاسات المرتقبة تسوية او حرباً في المنطقة، وخصوصاً أنّ اسرائيل ترفع من مستوى التهديدات ضد الجمهورية الايرانية، في وقت تسعى فيه دولة الامارات العربية المتحدة لترتيب حُسن العلاقات بين عواصم الخليج وطهران. لكن معوّقات الملف اليمني تقف مانعاً لفتح صفحة جديدة على الخط السعودي-الايراني، حتى الآن.
مما يعني أن محطة فيينا ستحمل دلالات: تسوية أو نزاعا مفتوحا أم مراوحة سلبية؟. وأي تداعيات محتملة في تلك السيناريوهات؟
لا مصلحة لأي دولة، من الولايات المتحدة الى ايران وما بينهما من دول تنحاز إلى أحد الفريقين الاّ بتحقيق تسوية نووية سياسية. هناك مصلحة اميركية واضحة بأن تُنجز إدارة الرئيس جو بايدن الملف النووي، بعد وعد كانت قطعته الادارة ببت المسار، وسلّمت الملف للمسؤول في الخارجية روبرت مالي الذي يفضّل التوافق مع طهران لا مشاكستها. وهو أمر يشكّل حاجة اميركية يدركها الايرانيون الذين ذهبوا الى رفع سقف خطاباتهم المتبادلة مع الغرب، الى حدّ قول كبير المفاوضين الايرانيين الجديد علي باقري كني ان المحادثات المرتقبة في فيينا ليست مفاوضات نووية، بل هي "محادثات لرفع العقوبات غير القانونية عن ايران".
هنا تسعى طهران لفرض عنوان رفع العقوبات في اول جدول الاتفاق، قبل الدخول في تعهدات او ادراج بنود تفاهم محتمل. لا يتعلق الامر بالنسبة للإيرانيين بحقوقهم في التخلص من "العقوبات اللاإنسانية" بقدر ما هي حاجة الجمهورية الاسلامية الى فك القيود عن اموالها واقتصادها وتجارتها وصناعاتها، وفرض اعتراف الغرب بتلك الحقوق، بعدما حاول إنهاك الاقتصاد الإيراني، ونجح في معاقبة الإيرانيين من دون ان يستطيع فرض استسلامهم.
يحاول الاوروبيون تقريب المسافات في فيينا، وسيكون الاميركيون قريبون من مكان الاجتماع كي يطلعوا على كل عنوان وتفصيل في النقاش النووي-السياسي-الإقتصادي. علما ان الاميركيين سبق وطمأنوا دولاً عربية قلقة من ان يكون الاتفاق النووي المرتقب على حسابها في الإقليم، لشرعنة تمدد النفوذ الايراني، وقال الاميركيون لدول خليجية: لا اتفاقيات على حسابكم.
لن يكون اي اتفاق بين الغرب وايران الاّ لصالح كل دول الاقليم، وفي الطليعة العربية منها، لأن المخاطر والتداعيات التي تولدها التوترات والحروب تتراجع وقد تختفي.
وحدها اسرائيل التي تضع يدها على الزناد وتهدد بتنفيذ بدائل عسكرية، بعد ان كانت تورطت سابقاً في عمليات اغتيال ضد علماء ايرانيين، واستهدفت مراكز ايرانية حسّاسة لمنع اي اتفاق بين الغرب وطهران، ومحاولة فرض تل ابيب ضمن المعادلة التسووية المقبلة.
لن تكون المفاوضات سهلة لسببين: لا الادارة الاميركية تنوي نسخ تجربة الرئيس الاسبق باراك اوباما الذي اجرى اتفاقا مع طهران نسفه لاحقاً خلفه دونالد ترامب، ولا ايران ستستحضر اساليب فريقها السابق ايام الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف.
سيبدأ الايرانيون من شرط: يُمنع على أي ادارة اميركية نسف الاتفاق كما حصل سابقا". وهو امر يحرج ادارة بايدن التي لا تستطيع ان تلتزم بالشرط الايراني. فما هو الالتزام غير المباشر الذي سيؤدي الغرض نفسه لطمأنة ايران؟ هذا اهم ما سيتم بحثه في فيينا.