منذ انتفاضة السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، تتشابك الكثير من الرهانات على الإنتخابات النيابية المقبلة، حيث كان البعض يريدها أن تكون مبكرة، وهو الشعار الذي رفع من قبل العديد من الأفرقاء خلال الأشهر الأولى من الحركة الإحتجاجيّة، لكن بعد أن سقط هذا الطرح بات التركيز على أن تحصل في موعدها، في ظل المخاوف التي تبرز من أن تسعى القوى الفاعلة إلى "تطيير" هذا الإستحقاق.
حتى الساعة، لا تزال الخطوط الحمراء التي ترفع من قبل العديد من الجهات الإقليمية والدولية تحول دون ذهاب تلك القوى إلى هذا الخيار، بالرغم من أنّها تتمنى حصوله في ظلّ عدم توفّر الإمكانات المادّية لديها لخوض الإستحقاق، بالإضافة إلى المخاوف التي لدى معظمها من تراجع حضورها في المجلس النّيابي، لكن الأهمّ يبقى ما بدأ الترويج له منذ اليوم، لناحية أنّها لن تقود إلى أيّ تغيير يُذكر في المعادلة.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّه قبل أشهر كان الحديث الدائم عن أن ما تطمح إليه القوى والشخصيات التي باتت توصف بـ"التغييرية" لن يتحقق، أي لناحية فوزها بعدد كبير من المقاعد النيابية في الدورة المقبلة، بسبب قانون الإنتخاب النسبي، الذي لا يسمح له بإحداث خرق نوعي في ظلّ القوّة التي لا تزال تمتلكها القوى والشخصيات السّياسيّة التقليديّة.
في المقابل، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ كل الجهود التي بذلت لجمع القوى المعارضة ضمن لوائح موحّدة، تكون قادرة على خوض الإنتخابات بشكل فاعل، لم ولن تتحقق، بسبب الخلافات التي تعصف بين أركانها، بدليل ما حصل في إنتخابات نقابة المحامين مؤخّراً، الأمر الذي سيقود إلى تشتّت قدرتها على تجيير الأصوات لصالحها، بينما تستفيد اللوائح الأخرى من جراء ذلك.
وفي حين تشير هذه المصادر إلى أنّ السبب في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى غياب المشروع الموحّد، الذي من الممكن أن تحمله تلك اللوائح، بسبب الخلافات القائمة على المستوى السياسي، التي تعيد إلى الأذهان الإنقسام القائم، منذ العام 2005، بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، حول العناوين نفسها، ترى أنّ المرحلة الجديدة من الصراع هي البوصلة الأساس، أيّ تلك التي تؤكد فيها غالبيّة القوى أنّ الديمقراطية التوافقيّة ستلغي أيّ فائدة من نتائج الإنتخابات النيابية.
في هذا الإطار، تذكر المصادر السّياسية المتابعة بأنّ نظرية الأكثريّة التي تحكم والأقلية التي تعارض طرحت في أكثر من مناسبة في الماضي، لا سيما قبل الإنتخابات النّيابية في العام 2009، ليتبيّن بعد ذلك بأنّ التحالف الذي خسر الإنتخابات، أيّ قوى الثامن من آذار، لم يوافق على الخروج من السلطة التنفيذيّة بل أصرّ بالحصول على الثلث الضامن أو المعطّل، وتشير إلى أنّ الأمر نفسه تكرّر بعد إنتخابات العام 2018، حيث كانت الأكثريّة الجديدة مصرّة على التعاون مع باقي الأفرقاء في عمليّة تشكيل الحكومات.
من وجهة نظر المصادر نفسها، هذا الواقع سيتكرر بعد الإنتخابات النّيابية المقبلة، أي تكون النتائج التي ستفرزها صناديق الإقتراع، نظراً إلى أنّ الأكثريّة الحاليّة، في حال خسارتها في هذا الإستحقاق، ستتمسك بالمشاركة، سواء عبر الثلث المعطّل أو غيره من الطروحات، وهو ما عبّر عنه رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد قبل أيام، من خلال إشارته إلى أن اللبنانيين توافقوا على تسوية سيّاسية قوامها الديمقراطيّة التوافقية، قائلاً: "الذي يريد أن يحكُمنا غداً بأكثريّة مدعاة عليه أن يُدرك أنّ الأكثرية التي حكمت لم تستطع أن تحكم".
في المحصّلة، تعتبر هذه المصادر أنّ المفارقة الأساسيّة في هذا المجال هي أن يتشارك "حزب الله" والسعوديّة في النظرة لهذا الإستحقاق، نظراً إلى أن الجانبين يعتبران أنه لن يقود إلى قلب الموازين، على عكس الرهان الأميركي-الفرنسي على صناديق الإقتراع بهدف قلب المعادلة، لكنها تلفت إلى أنّ التأثير قد يكون في الإنتخابات الرئاسيّة، حيث معادلة الرئيس القوي ستعود من جديد إلى الواجهة، على ضوء النتائج التي ستفرزها النّيابية.