يتواصل النزاع المرتفع الكلفة بين القضاء وجزء من السلطة، من دون أن تنجح الوساطات بعد في انهائه، ما يتسبب في استنزاف مستمر لجسم الدولة السقيم أصلاً، والذي تفاقم الاختلال في توازنه جراء العوارض المترتبة على هذا النزاع.
لكن، وعلى رغم السقوف المرتفعة والسيوف، يتهيّب الجميع الوصول في المواجهة الحالية الى حدود اللاعودة. وهكذا، فإنّ الجهات المعنية بالاشتباك على خط التماس السياسي - القضائي لا تزال تترك ضمن حساباتها خط رجعة للخروج من المأزق، وإن بدت متصلّبة ومحتدة في مواقفها المعلنة، لزوم تحسين المواقع التفاوضية.
إذ لا «حزب الله» يريد أن يكون ثمن معركته ضدّ القاضي طارق البيطار سقوط تحالفه المترنح مع «التيار الوطني الحر» وفرط الحكومة التي تحمل عن صواب او خطأ كنيته السياسية، ولا رئيس الجمهورية ميشال عون والنائب جبران باسيل يريدان ان يكون ثمن دفاعهما عن البيطار التضحية كلياً بتفاهم مار مخايل وبالحكومة التي يملكان حصة وازنة فيها، ولا رئيس مجلس النواب نبيه بري يريد أن يذهب في نزاعه مع عون وباسيل ودفاعه عن صلاحيات مجلس النواب الى حدّ توجيه ضربة قاضية الى مجلس الوزراء بجريرة قاضٍ وكشف البلد بكامله على المجهول، ولا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يريد أن تنتهي مغامرته في السرايا الحكومية بهذا السوء وبهذه السرعة، فيخرج من السلطة مأزوماً وهو الذي أتى اليها ليدير الأزمة.
من هنا، يستمر السعي الى العثور على مخرج «توافقي» يرضي القضاء والمعترضين عليه في آن واحد، ويوفق بين استمرار الحكومة وبقاء البيطار في الوقت نفسه.وعلى ذمّة الرواة، فإنّ ميقاتي وخلال أحد الاجتماعات التي جمعته مع عون في قصر بعبدا، اتصل برئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود وأبلغ اليه بأنّ هناك مسعى يجري من أجل إيجاد حلّ لمسألة البيطار على أساس الالتزام بالدستور والصلاحيات القضائية، وحضّه على التفاعل إيجاباً مع هذا المسعى، ثم اعطى الهاتف لرئيس الجمهورية الذي خاطب عبود في المنحى نفسه، فأجابه رئيس مجلس القضاء الأعلى: «وصلت الرسالة»، وهو ردّ بدا في حينه ملتبساً وخاضعاً للتأويل.
ومن باب الدلالة على تلهف ميقاتي لـ»اختراع» حلّ ينقذ حكومته من حبل المشنقة السياسية، يروي العارفون انّه ومع تصاعد التوتر في آخر جلسة عقدها مجلس الوزراء، قبل أن يتوقف عن الانعقاد، انفرد ميقاتي بوزير محسوب على حزب اساسي وقال له: «بدي منك شي أرنب»، فأجابه الوزير: «دولة الرئيس، المطلوب إقصاء طارق البيطار وهذا يحتاج إلى «رِكاب».