في خضم الأزمة الدبلوماسية التي تشهدها البلاد مع بعض الدول الخليجية، لا سيما مع السعودية، لم يكن تفصيلاً تصريح المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة أنور قرقاش، عن أن بلاده لن تمنع اللبنانيين من السفر إليها، خصوصاً أنه جاء بالتزامن مع تأكيده أن أبو ظبي ستواصل الدعم الإنساني للبنان، ولا تريد أن يواجه المواطنون اللبنانيون مزيداً من المعاناة بسبب الأزمة السياسية والاقتصادية المستمرة في بلادهم.
هذا الموقف، يعيد إلى الأذهان الموقف الإماراتي المتمايز عن الموقف السعودي من هذه الأزمة، حيث لم تذهب أبو ظبي بعيداً في الحملة التي تقودها الرياض، بالرغم من أنها تماهت معها في بعض الإجراءات، الأمر الذي لا يمكن أن ينفصل عن تمايز أوسع على مستوى المنطقة، كان قد عبرت عنه الإمارات في الأشهر الماضية.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن أبو ظبي، على مدى السنوات الفائتة، كانت جزءاً لا يتجزأ من محور إقليمي يضمها والرياض، خصوصاً خلال ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لكنها من الناحية العملية بدأت تصوغ سياسة خارجية خاصة بها على مستوى المنطقة، تقوم، إلى حد بعيد، على تقليد السياسة الخارجية التركية السابقة، التي تستند إلى نظرية رئيس وزرائها السابق أحمد داوود أوغلو: "صفر مشاكل".
من وجهة نظر هذه المصادر، الفترة الماضية أكدت هذا التمايز في أكثر من ملف، حيث من الضروري إعادة التذكير بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان إلى دمشق، نظراً إلى أن بلاده تقود جهود إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، بينما لا تزال السعودية خجولة في هذا المجال، على الأقل على المستوى العلني الذي سبقتها إليه أبو ظبي.
بالتزامن، تلفت المصادر نفسها إلى الإنفتاح الإماراتي على إيران وتركيا، أبرز أعداء المحور الذي كانت تتشارك فيه مع الرياض، حيث يختلف موقف الدولتين من الإتفاق النووي الإيراني، بينما أبو ظبي لم تتأخر في الذهاب إلى الإنفتاح الإقتصادي على أنقرة، في أصعب لحظة يمر بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نظراً إلى أن أساس زعامته يقوم على النجاح الإقتصادي، الذي يواجه أزمة كبيرة قد يكون مفتاح نجاته الإستثمارات الإماراتية.
من وجهة نظر المصادر المتابعة، أساس التحول في الموقف الإماراتي يعود إلى الرغبة في البقاء بعيداً عن الصراعات التي تحتدم في المنطقة في المرحلة، حيث تبرز إلى الواجهة، بشكل أساسي، مفاوضات فيينا حول الإتفاق النووي الإيراني، وبالتالي الدولة، التي باتت تقوم على القطاع الخدماتي، لا تريد أن تدفع ثمن سقوط هذا الإتفاق أو نجاحه، بل على العكس من ذلك تريد أن تمهد الطريق نحو الإستفادة من الحالتين.
بالعودة إلى الملف اللبناني، تشير هذه المصادر إلى أن أبو ظبي، في الأصل، لا تتبنى الموقف السعودي المتشدد، الأمر الذي يبرز من خلال رعايتها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الذي لا يستطيع زيارة الرياض في المرحلة الراهنة، لا بل سعت، خلال مرحلة تكليفه تشكيل الحكومة، إلى فتح قنوات الإتصال له مع المملكة من دون أن تنجح في هذه المهمة، لكن الأساس يبقى أنها لم تذهب إلى معاقبته أو تشديد الخناق عليه.
في المحصلة، مؤشرات التمايز بين السياستين السعودية والإماراتية على مستوى المنطقة تتزايد يوماً بعد آخر، أبرزها ربما الخلاف الذي حصل حول حصص إنتاج النفط، في شهر تموز الماضي، قبل أن تعود الدولتين إلى التوافق من جديد، الأمر الذي من المفترض أن يتظهّر أكثر في المرحلة المقبلة.