بعد مخاض سياسي عسير، يعلن وزير الإعلام جورج قرداحي عن استقالته اليوم، وذلك عشية زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى السعودية (المقرّرة في 5 كانون الأول الحالي) والتي سيحاول استثمار جانب منها للسعي الى رأب الصدع بين بيروت والرياض، خصوصاً انّه يعلم أنّ النهوض بواقع لبنان، لا سيما في المجالين الاقتصادي والمالي، يتطلب تسهيلات سعودية.
لكنّ ماكرون لا يريد أن يذهب إلى الرياض وهو خالي الوفاض لبنانياً، ولذلك أوحى لمن يعنيه الأمر في بيروت انّه يحتاج إلى رفده بورقة تفاوضية قد تساعده في فتح الأبواب الملكية المغلقة، وإقناع السعوديين بتليين موقفهم حيال حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
اما هذه الورقة فهي ليست سوى استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، والتي يفترض ماكرون كما ميقاتي انّها «دفعة أولى» ضرورية، لا بدّ للبنان من ان يسدّدها لإحداث خرق في جدار الأزمة الديبلوماسية مع الرياض، علماً ان ميقاتي كان قد طلب من قرداحي إبلاغه بـ»جواب نهائي» قبل وصول ماكرون الى المملكة يوم الأحد المقبل.
وتفيد المعلومات، انّ ميقاتي، وبعد انتهاء اجتماعه بالبابا فرنسيس في الفاتيكان قبل أيام، توجّه الى الفندق الذي ما كاد ان يصله حتى رنّ هاتفه، ليتبيّن انّ من كان على الخط الآخر هو الرئيس الفرنسي.
بعد تبادل التحيات، قال ماكرون لميقاتي انّه سيزور المملكة العربية السعودية في 5 كانون الأول، لافتاً انتباهه الى انّه «إذا أردتم ان أناقش الوضع اللبناني مع المسؤولين السعوديين، فعليكم ان تعطوني شيئاً ما استطيع ان انطلق منه».
وهنا سأله ميقاتي: «مثل ماذا؟ ماذا تقصد؟»، فأجابه ماكرون: «يجب أن تطلقوا مبادرة معينة»، فردّ رئيس الحكومة: «تقصد استقالة الوزير قرداحي... سأحاول معه مجدداً بعد عودتي الى بيروت».
بالفعل، وبعد رجوعه من الفاتيكان اجتمع ميقاتي مع قرداحي في لقاء قصير استغرق نحو 10 دقائق، واستهلّه رئيس الحكومة بتأكيد محبته واحترامه لقرداحي على المستوى الشخصي، ثم عرض له ما دار بينه وبين ماكرون خلال الاتصال الهاتفي، مكرّراً دعوته الى ان يستقيل لمصلحة لبنان. أما قرداحي فأبلغ اليه انّ قرار الاستقالة ليس ملكه الشخصي فقط، وانّه يحتاج إلى التشاور مع حلفائه في شأن الخيار الذي ينبغي اعتماده، مشدّداً مرة أخرى على انّه غير متمسّك بالمنصب، وكل الاحتمالات تخضع الى النقاش.
وتمنّى ميقاتي على وزير الإعلام ان يبتّ أمره ويتخذ القرار النهائي يوم الجمعة كحد أقصى، اي قبل أن يحطّ ماكرون في الرياض.
لاحقاً، وضع قرداحي رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية في صورة اجتماعه مع ميقاتي، وناقشا الاحتمالات الممكنة. فيما عُلم انّ فرنجية تلقّى اتصالاً من مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل، الذي استفسر بدوره حول إمكانية استقالة قرداحي، فأكّد له فرنجية انّه ترك لوزير الإعلام حرية القرار، ونحن سندعمه في اي موقف يتخذه. كذلك شرح للمسؤول الفرنسي «اننا لسنا وحدنا، ولدينا حلفاء نتشاور معهم في هذا الشأن».
ويوضح العارفون، انّ قرداحي أجرى جولة من المشاورات مع حلفائه وأصدقائه لحسم خياره وتحديد وجهته، آخذاً في الحسبان التطور المستجد فرنسياً، وعلم انّ «حزب الله» أبلغ اليه انه سيتفهم أي قرار يصدر عنه، مع الاشارة الى انه كان هناك رأيان قيد الدرس من قِبل قرداحي حالياً، الاول اعتبر انّ الاستقالة هي الأنسب الآن لسحب ذريعة الأزمة والتصعيد من الرياض، ولوقف اندفاعة بعض الداخل نحو الاستثمار في قضية قرداحي الى حدّ تحويله شمّاعة لإخفاقات ليس هو سببها، وتحميله مسؤولية تعقيدات لم يصنعها. بينما حذّر الرأي الثاني من انّ الاستقالة لن تجدي نفعاً، بل ستؤدي الى خسارة مجانية له ولحلفائه، وستمنح المملكة انتصاراً معنوياً في غير مكانه وأوانه.
ويشير العارفون الى انّ قرداحي يخشى ان يرفض السعوديون التباحث اساساً مع ماكرون في الشأن اللبناني او في التفصيل المتعلق باستقالته، خصوصاً انّ اوساطاً فرنسية نصحته بتجنّب الخوض في هذا الشأن لتفادي اي انعكاسات سلبية على المصالح الاقتصادية لباريس مع الرياض.
ولكن الرجل حسم أمره مساء أمس في اتجاه الاستقالة لتبرئة ذمته ووضع الآخرين أمام مسؤولياتهم.
وقال قرداحي لـ«الجمهورية» ليلاً: لقد حان وقت الاستقالة وانا مقتنع بأنني اخترت القرار الصح في التوقيت الصح، ولذلك أشعر براحة داخلية.
وأضاف: لا اريد ان أعطي مجالاً لأحد كي يتهمني لاحقاً بأنني أضعتُ على لبنان فرصة زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون للسعودية والتي يمكن أن تكون محطة مناسبة لبدء معالجة الازمة مع السعودية، ولا أريد أن افسح المجال أمام تحميلي مسؤولية اي إجراء سلبي قد يُنفذ ضد المغتربين في الخليج، وسيكتشف اللبنانيون انني لست سبب ما يعانونه هم، وما تعانيه الحكومة من مشكلات أراد البعض تحميلي إيّاها زوراً وبهت