هناك أزمة حقيقية تتفاعل ولكنها لا تحظى بالاهتمام المطلوب، وهناك سكوت عنها، وهي الأزمة التي يواجهها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتعويضات الموظفين والعمال الذين عملوا طوال عقود، معوّلين على تعويض قد يمنحهم العيش الكريم عند سن التقاعد والراحة.
وكالعادة لا توجد شفافية في شرح أزمة الضمان. فكما هو معروف، أنّ الضمان الاجتماعي وظّف الغالبية الساحقة من أصوله في سندات الخزينة، بينما المتبقّي من أصوله «محجوز» على شكل ودائع مصرفية، وهذا ما اعترضنا عليه طوال سنوات وطالبنا بتنويع سبل الاستثمار من جهة لزيادة استفادة الموظف، ومن جهة اخرى عدم وضع كل الأصول في سلة واحدة تهدّد تعب وجنى العامل. وكان يتمّ إجراء توظيفات لأموال الصندوق ولآجال قصيرة أو متوسطة أو طويلة وفقاً لأحكام المادة 64 من قانون الضمان الاجتماعي، أي اللجنة المالية هي من تحدّد التوظيفات وليس كما يتمّ تداوله، انّ القانون فرض التوظيف بالليرة اللبنانية. وكانت اللجنة قد اقترحت في العام 2009 ان يتمّ توظيف 80% بالليرة اللبنانية و20 % بالعملات الاجنبية. وهنا السؤال، هل تمّ الاستثمار بالعملات الاجنبية في مصرف لبناني؟ ففي هذه الحال النتيجة واحدة. تتحمّل اللجنة المالية مسؤولية أساسية في شكل التوظيفات التي اقترحتها وخصوصاً انّ اعضاءها ليسوا اختصاصيين في الاستثمارات الطويلة الأمد. لقد ضيّع هؤلاء فرصة حقيقية على المضمونين وتركوهم رهينة القطاع المصرفي اللبناني.
وهناك عجز اليوم في صندوق المرض والامومة، ويتمّ استعمال أموال صندوق تعويض نهاية الخدمة لتمويل التقديمات في الصندوق المذكور، بالإضافة الى ذلك لم تسدّد الدولة مستحقاتها للصندوق منذ العام 2002، والمتوجبات المترتبة عليها ناهزت الـ 4 آلاف و200 مليار ليرة. ولا نفهم لماذا لم يبادر مجلس ادارة الضمان الى معاقبة او مقاضاة الدولة اللبنانية والمؤسسات العامة التي لا تسدّد اشتراكاتها للصندوق، في حين أي صاحب عمل يتخلّف عن التسديد لا يستطيع الحصول على براءة ذمة، مما يسبّب شللاً في عمله ومنعه من الاستيراد. ونظرية انّ مقاضاة الدولة غير ممكنة هي غير صحيحة، فهناك سوابق في هذا المجال منها القضية المعروفة من احد مساهمي شركة من شركات الهاتف الخلوي ضد الدولة اللبنانية، وتوصل الى حجز طائرة لشركة «الميدل ايست» على اساس انّها شركة عامة وأجبر الدولة على تسديد مستحقاته.
يُضاف الى ذلك غياب المكننة والرقابة الفاعلة مما يؤدي الى هدر كبير وخصوصاً في قطاع الاستشفاء والادوية.
في ظل هذا التخبّط، الارقام المالية للصندوق غير شفافة، وحسابات الصندوق غير مصدّقة، واستمرار تجاهل الأزمة يهدّد فئة كبيرة من المواطنين اللبنانيين بخطر خسارة تعويضاتهم وخسارة تغطيتهم الصحية، وهذا سيخلق تداعيات اجتماعية خطيرة.
المطلوب الشفافية في كل المواضيع التي طرحناها ونطرحها. فهذه الخطوة رئيسية لمعالجة كل الأزمات. وبالطبع الشفافية مطلوبة في ارقام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وحساباته، كما وإجراء تدقيق جدّي لتقديم صورة واضحة عن الوضع، ما هي الأرقام الحقيقية التي استحوذت عليها المصارف او مصرف لبنان المركزي؟ ما هي الاشتراكات وهل يتمّ تحصيلها وكم تبلغ نسبة الشركات التي تخلّفت عن تسديد مستحقاتها بعد الأزمة؟ كيف يتمذ الحفاظ على تعويضات المضمونين؟ وما المبالغ التي تمّ سحبها من صندوق نهاية الخدمة؟ وما هي الخطة الموضوعة لتفادي خسارة التعويضات قيمتها بسبب انهيار الليرة؟ وهل تمّ تحويل نسب من المبالغ الى الدولار؟ وكم نسبتها؟
ونتوجّه الى الناس والمعارضة والثورة ومن يريدون مكافحة الفساد والتغيير، اين انتم مما يحصل؟ اين مطالباتكم بمعرفة الحقيقة والارقام؟ كيف يمكن ان تتجاهلوا قضية خطيرة تهدّد مستقبل الناس؟ كما كيف سنطرح حلولاً إذا لم نملك الحقيقة والارقام؟ كيف تتمّ المعالجة اذا لم يكن هناك تشخيص للمشكلة وحجمها؟
أخيراً، نفهم مع الاسف تجاهل المسؤولين للشفافية، ويمكن تبرير موقفهم حيث انّ الشفافية لا تناسبهم، فهي تفضح كل الممارسات وتضرّ بسلطتهم وتحكّمهم، ويصبح من الصعب تحقيق المكاسب اذا وُضعت كل المعلومات بتصرف الشعب.
ولكن ما لا نفهمه هوعدم مطالبة الذين خربت بيوتهم بالشفافية بسبب غيابها، فلا نفهم تجاهل هؤلاء الذين نُهبت اموالهم وجنى عمرهم للشفافية وهم أكثرية، لماذا لا يطالبون بها ويعتبرونها المطلب الأساسي. مأساة كبيرة إن استمروا في تجاهلها، فهذا يعني تكرار المآسي التي تعرّضوا لها.