منذ أن صدر البيان الختامي عن المحادثات التي أجراها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان في الشق المتعلق بلبنان، ومضمون هذا البيان يخضع للتحليل والتمحيص من قبل السياسيين اللبنانيين، لا سيما وأنه جاء على شاكلة خارطة طريق لحل الأزمة في لبنان، ولم يكن حصراً حول الأزمة المستجدة بين لبنان والدول الخليجية وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية على خلفية موقف الوزير المستقيل جورج قرداحي حول حرب اليمن، وقد تفاوتت الرؤى السياسية حول ما يُمكن أن يحصل على المستوى اللبناني في ضوء المحادثات الفرنسية - السعودية والتي لم تكن محصوة قط بالوضع اللبناني وإن كان هذا الوضع قد حضر بقوة على طاولة النقاش.
هل مَنْ رفض إعلان بعبدا سيقبل بإعلان جدّة؟
البعض من السياسيين الذين كان لهم رصد أولي لمضمون البيان وما يُمكن أن ينجم عنه على مستوى الساحة اللبنانية ذهب إلى حدّ القول أنه لن يقدِّم أو يؤخر في الأزمة الداخلية وهو لن يسمن أو يغني من جوع، لا سيما وأن مسببات الأزمة بين لبنان والخليج ما تزال على حالها وهي كانت أصلاً موجودة قبل تفاقمها نتيجة ما قاله قرداحي بخصوص حرب اليمن، وبالتالي فإن العلاقات بين البلدين لن يكون سهلاً عودتها إلى ما كانت عليه في السنوات الماضية، وإن قررت المملكة إعادة سفيرها الى لبنان وحذا حذوها دول خليجية أخرى. في المقابل فإن البعض أمل خيراً من زيارة ماكرون إلى المملكة، وعوّل على إمكانية أن تسلك العلاقات اللبنانية - السعودية مجدداً الطريق الصحيح الذي كان معبداً بين البلدين على مدى عقود من الزمن.
لا شك أن البيان الختامي الذي أذيع بعد محادثات الرئيس الفرنسي مع كبار المسؤولين السعوديين قد وضع أسس الحل، ليس فقط على مستوى العلاقات اللبنانية - السعودية وحسب، إنما على صعيد الوضع اللبناني برمته، لأن ما يُحكى عن إصلاحات، وقرارات دولية، والسلم الأهلي، والاستقرار الداخلي، كلها مواضيع تحل الأزمة في لبنان، وعندما تحل أزمات لبنان انطلاقاً من هذه المسلَّمات تصبح علاقات لبنان صحية وطبيعية وودية ليس مع الدول الخليجية وحسب، إنما مع كل العالم. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أن ما تضمنه البيان من نقاط ليس جديداً وهي موجودة منذ زمن، حيث أن القرارات الدولية في غالبيتها والمتعلقة بلبنان إنما مجزأة التنفيذ أو معلقة، وكذلك الإصلاحات مطروحة منذ سنوات ولم تنفذ، وهذا يعني أن البيان الختامي الذي أعقب لقاء الرئيس ماكرون والأمير محمّد بن سلمان بقدر ما هو إيجابي يبقي من دون قيمة ما لم يتم التوافق اللبناني الداخلي على تنفيذ مضامينه، ولذلك لا يكفي أن يرحب الرئيس نجيب ميقاتي بالتفاهم، أو أنه يعتبر الاتصال الذي جرى معه من قبل ماكرون والأمير محمّد بن سلمان هو الحل، ما لم يتم الالتزام بتنفيذ خارطة طريق باتت معروفة وإلا فالأزمة الموجودة ستتفاقم ولن تنتهي.
وفي هذا السياق فإنه من البديهي القول إن ما طالب فيه بيان جدة لن يكون من السهل تنفيذه، لأن مثل هكذا نقاط أُثيرت في إعلان بعبدا ورفضت، وبالتالي ما رفض في إعلان بعبدا، لن يُقبل بإعلان جدّة، وهذا يُؤكّد بأن الأمور في لبنان ستبقى على حالها إلى أمدٍ ليس بقصير.
لا شك أن ما يجري من جدال دولي وإقليمي هذه الآونة، يؤشر إلى أننا دخلنا مرحلة جديدة من التعاطي الدولي مع لبنان، وهذا بدأ مع بداية إعادة التموضع في أفغانستان، وصولاً إلى الاهتمام الدولي بلبنان، إنما إلى ما سترسو هذه المرحلة غير واضح بعد، وإن كانت بعض المعطيات تفيد بأن هناك نوايا دولية لنقل المنطقة من مكان إلى آخر.
وإذا كان لبنان الرسمي كما الشعبي ينتظر ما ستُفضي إليه التطورات الإقليمية والدولية والانعكاسات التي ستؤثر على لبنان سلباً أم إيجاباً وخصوصاً على مستوى المفاوضات النووية في فيينا، فإن مصادر سياسية على اطلاع وافٍ على مسار هذا الملف ترى وفق ما تملك من معطيات بأنه ما زال من المبكر الحكم على النتائج التي ستخرج بها عملية التفاوض، وما يرشح حتى الآن يُظهر بأن الطريق ما تزال غير سالكة بين واشطن وطهران بخصوص هذا الملف،إلا إذا كان هناك من مواضيع يُعمل عليها خلف الكواليس.
لكن هذه المصادر تعتبر أنه لولا المواقف الاسرائيلية العنيفة حيال هذه المفاوضات لكانت واشـنطن تساهلت أكثر على طاولة التفاوض مع اقتراب الانتخابات النصفية للرئيس الأميركي جو بايدن،وفي مقابل ذلك فإن الدول الأوروبية تعمل جاهدة لتأمين ممر آمن لهذا الملف من منطلق أنه في حال تم الاتفاق الإيراني - الأميركي النووي، سيفتح لأوروبا الطريق أمام تنفيذ الكثير من المشاريع في إيران والتي يحول دون حصولها قرار العقوبات المفروض على طهران، وانطللاقاً من هذه المصلحة الأوروبية فإنه يؤمل تذليل العقبات والذهاب في اتجاه إعادة إبرام الاتفاق النووي، لأن أوروبا ترغب في ظل التدهور الاقتصادي الحاصل على مساحة العالم، بأن تُفتح لها الأسواق الإيرانية المتعطشة للمشاريع المتوقفة منذ سنوات طويلة والتي تكبد إيران خسائر فادحة، وفي المقابل تحرم أوروبا من جني الأموال نتيجة المشاريع المتوقفة بينها وبين إيران.