قد يتساءل البعض عن سبب تناولي لهذا العنوان المثير للجدل على كافة الصعد والمستويات. فبالإجمال، يستطيع الكاهن أن يميّز بين هذه الفئات و"يقفرها" بشكل سريع، ويتعاطى مع هذه الحالات غب الطلب، إلا أنها مشكلة لا بد من التطرّق إليها كمراقب لا كأخصائي.
فبعض الناس قد يتقصّد هذه التصرفات والبعض الآخر يتصنّعها، والبعض من صلب شخصيته، إما نتيجة عِقد اقتحمت حياتهم ومسلكهم، أو نتيجة أهداف مشبوهة تخفي وراءها نوايا مبيّتة. وقلّة من الناس تتمظهر لغايات، أو لطباع ورثتها من التربية التي تلقتها في البيت.
ورد في سفر الأمثال هذه الآية: "يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ، وَلْتُلاَحِظْ عَيْنَاكَ طُرُقِي" (أم 23: 26)، أقصى ما يريده الله منّا هو القلب. وإنجيل العهد الجديد نحته الله لنا بالروح القدس على قلوبنا، "أجعل نواميسي في أذهانهم، واكتبها على قلوبهم"(عبرانيين 10:8). لهذا إذ يصرخ الكاهن في القدّاس الإلهي: "لنرفع قلوبنا إلى فوق"، يترنّم الشعب متهلّلاُ: "هي لنا عند الرب".
الله هو المتكلم هنا لكل نفس. ومن سيعطيه القلب سيبارك له في كل شيء. فالله جدير بأحسن ما لدينا. لا يحبّ المظاهر الخدّاعة، لذا علينا أن نسلّمه عواطفنا وإرادتنا وحبّنا وهو سيملأنا فرحًا. هو نبع ومصدر كلّ خير وكلّ فرح. الله يطلب القلب ولا يطلب عطايا ماديّة ومظاهر خارجية خدّاعة وانتفاخ، فهذه لن تفرحه إن لم يكن القلب له.
لقد شبّه يسوع المسيح الفرّيسيين بالقبور المكلّسة، وقال عن الكتبة والفريسيّين: "لأنكم تنقّون خارج الكأس والصحفة، وهما من داخل مملوآن اختطافا ودعارة". وقال لهم أيضًا: "وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ"(إنجيل متى 23: 27)، وكم من فرّيسي بيننا يسرح ويمرح، ولا من رقيب أو حسيب.
ونفس الوضع كان في العهد القديم. إذ أنه لم يقبل المظاهر الدينيّة من اليهود، كالاحتفالات بأوائل الشهور والأصوام والصلوات والبخور والذبائح، مع عدم نقاوة القلب.
الله لا يتأثر بالمظاهر الخارجية الخدّاعة، نحن البشر نسعى لعيشها مع قلّة قليلة تتحاشها. فقد يظهر لك اشخاصٌ يضحكون ويمرحون، وهم من داخلهم يعيشون الحزن والكآبة نتيجة أزمات واجهتهم في حياتهم وأثّرت سلبًا على مسلكهم، وفي مكان آخر قد يتباهى كثيرون أمامك بالفهم والفضائل واللسان اللائق، وفي المحصّلة نكرة.
كلّ إنسان همّه المظهر الخارجي، ويعطيك من طرف اللسان حلاوة، تجنّبه واعرض عنه، فهو فارغ ولا يحمل لك إلا التعب.
والمرأة اكثر من غيرها تعتمد وسائل الـShow-off، لكونها تتمتع بالغيرة الفاضحة تجاه جنسها، بغية التباهي ولفت النظر لغايات وغايات، في حين، أنّ عددا كبيرا من الرجال يستغلّون المظهر الخارجي وحلاوة اللسان ليصطادوا النساء ويجنوا المغانم. وكم من "وحش متنقل" بثياب فخمة يتبختر بين النّاس لإشباع رغباته الجنسية.
وفي هذا السياق، أكثر ما أخاف عليه التفكك الزوجي نتيجة المظاهر الخدّاعة المتبادلة بين الزوجين. فكم من رجلٍ يتباهى بحبه لزوجته، في حين يقترف يوميًّا الخيانة. وكم من امرأة تقدم المنّ والعسل لزوجها، وبالمقابل تسرح وتمرح وتزني. طبعًا هذا شواذ للقاعدة.
سمعت من صغري عبارة "هيدا إبن بيت"، وبعد أن بلغت من العمر مرحلة الفهم والتمييز، فهمت معنى هذه العبارة. "إبن وبنت البيت" لا يتصنّعان المظاهر الخارجية، ولا يعرفان الحسد والنميمة ولا التكبّر او الرياء، وأيضا يعاملان الناس بمساواة، ولا يميّزان في الاحترام أو التكريم. "إبن البيت" "من أساسو شبعان"، والإنسان الذي لم يعرف الشبع عند أهله، يسعى لأن يترجم ذلك في بيته الزوجي. ولكن مهما فعل لن يعرف الشبع، فالشبع الحقيقي في العيون لا في البطون، كما إن الغنى في النفوس لا في الجيوب والحلاوة في الروح لا في الشكل.
وكلّ شخص إن لم يعمل على إصلاح ذاته وتطوير فكره وتقدير شريكه بالإنسانية واحترام عقول الآخرين وعدم استغبائهم، سيبقى أسير المظاهر الخارجية والانتفاخ. الدواء الوحيد لهذا الداء هو معرفة الله، وكل شيء يزاد.
إذًا، ليست المظاهر الخارجية ترجمة دائمة للنفوس الطيّبة والصادقة. ونحن في هذا البلد خدعنا أنفسنا، وبقينا نتباهى بوطنيتنا وحبنا للبلد، وفي آخر المطاف سقطنا من الضربة الأولى، وحملنا ما تيسّر ومشينا، لأننا آمنا يومًا بالزعماء، الذين أظهروا لنا محبتهم لوطنهم وشعبهم وملّتهم، وإذ هم غارقون في التبعيّة للخارج ومصالح أسيادهم، أليس هذا قمة في ممارسة التمظهر الخداع الذي سقطنا به؟.
المظاهر الخارجيّة ليست دائمًا تعبيرًا عن واقع، لذلك على الشخص أن يمتلك الحكمة والوعي والفهم ليميّز بين المظاهر الخارجية الخدّاعة والمظاهر الصادقة، حتى لا نقع في التجربة ونكون فريسة سهلة يستسيغها أصحاب هذا التوصيف ومحبّو الـShow-off.