لفت وزير الثّقافة محمد وسام المرتضى، خلال إلقائه كلمة لبنان، في مؤتمر وزراء الشّؤون الثّقافيّة في الوطن العربي "قمة اللغة العربية"، في دبي، إلى أنّ "اليوم، تجمعنا ثلاثة عناوين: اللّغة والشّباب والحداثة. وفي ذهن كلّ عربي أنّ هذه الثّلاثة ينبغي لها أن تكون واحدًا"، موضحًا أنّ "اللّغة هويّة وبيت وجود، كما قال الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط. أمّا للعربي المسلم فهي بيت وجود مثنى، ههنا وفي النشأة الآخرة، ذلك أنّها تقدّست في الأرض بنزول القرآن الكريم بها، وفي السّماء لأنّها لغة أهل الجنّة، كما في بعض تراثنا. هذا بالنسبة إلينا نحن المسلمين".
وأشار، إلى أنّ "أمّا المسيحيّون العرب، الّذين كانوا يتكلّمون اللّغة العربيّة قبل الإسلام، لم ينضمّوا إلى الإسلام الّذي عرض عليهم. بقوا في العروبة كحضارة، أيّ في كلّ النّواحي الأدبيّة والفنيّة والاجتماعيّة"، مبيّنًا أنّ "لا أحد يستطيع أن يتقن هذه اللّغة بشكل كلّي، ما لم تكن له إلفة بالقرآن، على ما يقول أسقف العربية المطران جورج خضر، الّذي يضيف بأنّه يقتضي على المسيحيّين العرب أن يكونوا مثقّفين بالعربيّة ويعرفون القرآن جيّدًا، ولا يحول دونهم وذلك عدم إيمانهم بأصله الإلهي. فغربة المسيحيّين عن الإسلام من النّاحية العقائديّة، لا تمنع المسيحيّين من التّواجد في كلّ مضامير الحضارة العربيّة الإسلاميّة؛ ولا سيّما اللّغة".
ورأى المرتضى أنّ "غربةً باتت ترتفع بين شبابنا ولغّتهم، من تأثير العولمة ومقتضياتها الاقتصاديّة والسّياسيّة، الّتي أنتجت مقتضيات ثقافيّة جعلت العصر مرهونًا للغّات أخرى غير العربيّة. وكان من شأن الحداثة الرقميّة وتقنيّاتها في العالم الافتراضي، أن تزيد هذا الشّرخ اتّساعًا، وخصوصًا أنّ المحتوى الرّقمي العربي على محرّكات البحوث العلميّة لا يتعدّى ما نسبته ثلاثة بالمئة من مجمل المحتويات".
وركّز على أنّه "يضاف إلى كلّ هذا، تقصير عربي واضح في العمل على نشر ثقافة العرب وتراثهم الحضاري، الّذي كان حجر الأساس في نهضة أوروبا". وذكر أنّ "من الأدلّة على هذا التقصير أنّ الصين مثلًا افتتحت عشرات المراكز والمعاهد لتعليم مواطنيها اللّغة العربيّة، وأمّا نحن فلم نفعل شيئًا من ذلك، لا في العواصم الغربيّة الكبرى، ولا في المؤسّسات الجامعيّة الرّاقية، ولا حتّى مع الجيل الثّاني من أبناء الجاليات العربية المنتشرة حول العالم، إلّا ما كان من مراكز دعوات دينيّة سدت مسد التّقصير الثّقافي اللّغوي".
وشدّد على أنّ "مع إيماننا المطلق بأنّ العربيّة لغة لا تموت، لأنّ الله حفظها في كتابه العزيز، فهذا الواقع الّذي وصفت يملي على وزراء الثّقافة العرب، أن يعملوا بمعونة اختصاصيّين في التّربية والعلوم اللّغويّة، على وضع خطّة علميّة ذات مناهج واضحة وآليّات تنفيذ ميسّرة، تهدف إلى وصل ما انقطع بين شبابنا وتراثهم، لا بهدف إحيائه فقط، بل من أجل أن تستوعب لغتنا كلّ معطيات العصر الحديث في جميع نواحي المعرفة؛ وهي بذلك أهل كما فعلت في زمن التألّق القديم". ولفت إلى أنّه "يلزمنا في سبيل ذلك، التّصميم والوعي وتأمين المستلزمات الماديّة، لننجح بكلّ تأكيد".