غريب امر الحكومة اللبنانية، فهي من جهة يفترض ان تمثل لبنان وتكسب ثقتها من قبل المجلس النيابي الذي يفترض ان يكون ممثلاً للشعب اللبناني، ولكنها لا تتلقى الضربات والمصائب الاّ من الطبقة السياسية اللبنانيّة التي من المفترض ان تساعدها، كونها ممثلة فيها. لا يعني هذا ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي معفي من المسؤولية، ولكنه يعني ان هذا الرجل تحديداً، وفي هذا الوقت بالذات، يستمد قوته من الخارج، ويتهافت الجميع على دعمه من فرنسا ورئيسها الى اميركا ومسؤوليها، وحتى الامين العام للامم المتحدة يؤمّن المساندة اللازمة لميقاتي كي يبقى على رأس هذه الحكومة الّتي كانت معلقة بحبال قرار المجلس الدستوري ورغبة هذا الطرف وذاك في تسيير الامور او تعقيدها. وهي انها كانت بالامس على شفير الاستقالة بعد خروج ميقاتي من عين التينة غاضباً، وينتشر الكلام عن عزمه الاستقالة، وهو كلام سرعان ما بددته الاوساط والاجواء التي اكدت استمراره على رأس الحكومة، ولو انها غير فاعلة ومحجوزة في غرف قرارات الاحزاب والتيارات السياسية التي تنتظر بدورها الضوء الاخضر من بعض القوى الخارجية كي تتخذ القرارات.
ما حصل بالامس كان على وشك اعلان عجز الحكومة بشكل رسمي، بعد اعلان فشلها بشكل غير رسمي، فهي لا تجتمع ولا تتخذ قرارات وتقوم بكل اعمالها بالواسطة او عبر تحرك فردي للوزراء، واللافت ان الطائفة السنيّة التي تعتبر ان منصب رئاسة الوزراء تعكس حضورها في السلطة، لم تنطق ببنت شفة حول هذا الوضع الراهن، وتترك الامور بين انتقاد بسيط من هنا وتحرك هامشي من هناك، وتسلّم الامور الى الطوائف الاخرى، وتنتظر ما سيسفر عنه "الكباش" الداخلي بين التيار الوطني الحر وحركة امل وحزب الله. هذا الامر مردّه بطبيعة الحال الى التراجع السعودي في لبنان، ونتيجته ان المرجعية الدينية والسياسية لهذه الطائفة تدرس وضعها على الساحة اللبنانية، ولم تنجح في حسم قرارها باختيار بديل لها او بالعودة بالزخم اللازم الى لعب دورها، فكانت النتيجة تراجع حضور السنّة في لبنان، على الرغم من محاولات ميقاتي الحفاظ على هذا الدور قدر الامكان لتمرير هذه الفترة. ويقيناً، لو استقال ميقاتي لكان وضع الطائفة اخطر بكثير، لانه سيكشف عجزها عن اختيار شخص يعكس تأييدها ويضمن احاطتها له كما كان الحال مع النائب سعد الحريري سابقاً.
اليوم تقف الحكومة على قارعة الطريق بانتظار النتائج، وبعد قضية الوزير السابق جورج قرداحي، وانتظارها لقرار المجلس الدستوري وما حكي عن تسويات، ستبقى الحكومة في انتظار "حسنة" من هنا واخرى من هناك، من دون ان تقع كلياً بسبب طلب الخارج الذي يدرك جيداً ان عودة التوافق بين الدول على الوضع اللبناني سيكون اصعب من اي وقت مضى، فيما الوضع حالياً افضل في ظل وجود مؤسسات (ولو بشكل صوري الا انه رسمي ودستوري). الدعوات كلها يجب ان تصب في خانة واحدة، وهي ان يبقى الخارج على قراره في عدم السماح بالفلتان الشامل، ولو انه الطريق الاسرع للحل، ولكن ثمنه كبير جداً على اللبنانيين. باختصار، اثبت الجميع في لبنان ان الامور لا تعالج على المساحة الجغرافية الصغيرة لهذا البلد، وان كل مشاكل لبنان خارجية وليست داخلية على عكس كل ما حاول البعض اتحافنا به على مدى الاشهر السابقة والايام الماضية، فيما لبنان معلق فعليا بحبال الخارج وتسوياته ومصالحه، ولهذا السبب تحديداً لا يمكن للحكومة ان تستقيل في المدى المنظور، مهما اشتدت الصعوبات ومهما كانت الظروف، حتى ولو رغب رئيسها او باقي الاعضاء بذلك، ولكن القرار غير عائد لهم.