نظمت نقابة محرري الصحافة اللبنانية بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافيين لقاء بعنوان "مستقبل الإعلام الرقمي: واقع واقتراحات"، شاركت فيه نخبة من الإعلاميين والاختصاصيين في مجال الاعلام، قدموا خلاله مجموعة من الاقتراحات والأفكار التي تغني هذا القطاع.
وفي ختام اللقاء، دعا المجتمعون، في التوصيات، إلى "العمل على دفع مجلس النواب اللبناني لاصدار قانون الاعلام الموحد الذي يشمل قطاع الاعلام الرقمي، ويراعي التطورات العالمية"، و"الحفاظ على الحريات الإعلامية في إطار ضوابط تراعي الأخلاق المهنية ومواثيق الشرف الإعلامية، بما يحفظ كرامة الإعلاميين"، و"إنشاء مراكز تدريب للعاملين في الاعلام الرقمي والالكتروني بإدارة اختصاصيين في هذا المجال".
كما دعوا إلى "تفعيل المناهج التعليمية في الجامعات لجهة تخريج الكوادر القادرة على مواكبة الاعلام الرقمي العالمي"، وإلى "تشكيل لوبي إعلامي ضاغط على المنصات الدولية لتحقيق مداخيل إعلانية لقطاع الاعلام الرقمي في لبنان"، و"مساواة المواقع الالكترونية بالصحف لجهة نشر الإعلانات الرسمية الحكومية على صفحاتها بما يحقق مداخيل مالية لهذه المواقع".
وطالبوا بـ"البحث في الاطر التنظيمية الآيلة الى دعم سوق الاعلان محليا وعربيا دعما لهذا القطاع، والتباحث مع شركات الإعلان في هذا المجال بما يحقق المصلحة المشتركة"، و"تعديل التشريعات اللبنانية بما يسمح لنقابة محرري الصحافة اللبنانية الاستمرار في تنسيب العاملين في قطاع الاعلام الرقمي"، و"وضع ضوابط للملكية الفكرية تمنع السطو على المواد المنشورة في إطار أخلاقيات المهنة".
وتحدثوا عن "وضع معايير منطقية لانشاء المواقع الالكترونية بينها المؤهلات المطلوبة للمالكين والعاملين، تحاكي ما هو معمول به في الاعلام التقليدي"، و"تحديث مختلف القوانين المتعلقة بالصحافة والاعلام لا سيما قوانين النشر والعقوبات وغيرها"، و"التحضير لمؤتمر إعلامي جامع برعاية نقابة المحررين لمناقشة إعادة النظر في مختلف المفاهيم الإعلامية، ووضع شرعة جديدة تواكب عصر الاعلام الرقمي".
وكان مدير العلاقات العامة والاعلام في نقابة المحررين الزميل واصف عواضة قد أوضح، في بداية اللقاء، أنه "يأتي في إطار سلسلة من النشاطات المهنية التي ستقوم بها نقابة المحررين خلال المرحلة المقبلة، وكان من الطبيعي أن تبدأ بموضوع الاعلام الرقمي بعدما أصبح كل مواطن في العالم يمتلك وسيلة إعلامية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي".
من جانبه، لفت رئيس الاتحاد الدولي للصحافيين يونس مجاهد الى "ضرورة التفاعل الدائم من أجل مقاربة موضوع الاعلام الرقمي"، لافتاً إلى أننا "أمام تطور سريع سوف يتضاعف باستمرار ويطرح إشكالات على الصحافة، خصوصا ما يسمى "صحافة المواطن" عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
بدوره، قدم رئيس المجلس الوطني للاعلام عبد الهادي محفوظ مداخلة عرض فيها تجربة المجلس مع الاعلام الرقمي، مشيرا الى أن "لبنان ما يزال خارج النظام والتحول الرقمي لغياب القانون الذي ينظم هذا القطاع"، موضحاً أن "مشروع قانون الاعلام الموحد يهدف الى هذه الغاية، لكنه ما يزال في أروقة مجلس النواب قيد البحث والنقاش".
وفي مداخلته، رأى مدير الدراسات في وزارة الاعلام خضر ماجد "أن التطور في مجال الاعلام الرقمي يسابق نفسه بصورة عالية وكبيرة، ويتطلب منا استعمال احدث الأساليب في إعداد المضمون للمتلقي من أجل مجتمع مثقف وواع وبيئة ومؤسسات إعلامية أفضل".
وشدد على أن "تنظيم قطاع الاعلام الرقمي ضرورة ضمن مشروع قانون شامل للاعلام في لبنان، ينظم جميع المهن والوسائط الإعلامية"، مشيرا الى "ملاحظات عدة لا بد من ادراجها كي يكون القانون مكتمل الهيكل والمحتوى".
من جانبه، أثار رئيس تحرير صحيفة "النشرة" الإلكترونية جوزيف سمعان موضوع المداخيل للمواقع الالكترونية من خلال الإعلانات، داعيا الى "إنشاء لوبي لبناني- عربي لمواجهة المنصات العالمية التي تنقل أخبار هذه المواقع وتستفيد منها من دون أي عائد للمواقع الألكترونية"، لافتاً إلى أن "هذا اللوبي يجب أن يتشكل من المؤسسات الحكومية والخاصة".
وأعطى سمعان مثالا على ذلك الخلاف الذي نشأ في فرنسا مع محرك "غوغل" وغيره، حيث تمكن الفرنسيون من الضغط على هذه المنصات العالمية وربحوا القضية، مشيرا الى أن هذه المداخيل يذهب قسم منها أيضا للحكومة اللبنانية في حال نجاح هذا المسعى.
وطرح سمعان موضوع تعاطي القضاء مع وسائل الاعلام، وتباطؤ محكمة المطبوعات وضرورة تحديث القانون وتوضيح التعابير المستخدمة فيه. كما تناول مشكلة الملكية الفكرية بحيث يمكن لأي موقع أن ينسخ موضوعا عن موقع آخر من دون ذكر المصدر. واقترح تبادل الخبرات مع نقابة المحررين الصحافيين وإنشاء مركز لتدريب الصحافيين العاملين في الاعلام الرقمي، مشيرا الى إمكان التعاون في هذا المجال مع العالم العربي.
كما أشار الى "أن شركات الإعلان لم تؤمن حتى الآن بالاعلام الرقمي بالشكل المطلوب"، كما أشار الى "الفوارق الكبيرة في مداخيل العاملين في الاعلام الرقمي بين لبنان والخارج".
من جانبه، لفت ناشر ورئيس تحرير موقع "ليبانون فايلز" ربيع الهبر إلى أنه "يجب التمييز بين الاعلام الالكتروني والاعلام الرقمي"، مشيرا الى أن "الاعلام الالكتروني بات تقليديا". وطرح الهبر مسألة المجموعات العاملة على وسائل التواصل والتي تبث الأخبار من دون حسيب أو رقيب، مشيرا الى "دور الهاتف المحمول الذي حل محل الجريدة والإذاعة والتلفزيون".
وتناول مسألة تمويل وسائل الاعلام، لافتاً إلى أن "هناك حكمة قديمة مفادها أن الصحيفة التي لا يمولها القارئ يمولها مجهول، وهذا المجهول له غاياته وأهدافه ومراميه"، آملا "أن يخرج الاعلام الرقمي من أوضاعه السيئة في لبنان، لأن الأوضاع تتطلب الكثير من الحكمة".
بينما أكد نائب نقيب المحررين غسان ريفي، في مداخلته، أنه "لم يعد ممكنا الفصل بين الاعلام المكتوب والاعلام الالكتروني او الرقمي، الامر الذي يضع الجميع امام مسؤولية تنظيم هذا القطاع وتوفير سبل الدعم له."، مضيفاً: "كذلك لا يمكن الربط بين المواقع الالكترونية وبين مواقع التواصل الاجتماعي، فالاولى عبارة عن مؤسسات صحافية بينما الثانية عبارة عن مبادرات فردية، وبالتالي فإن المواقع الصحافية تتوسل مواقع التواصل لنشر موادها الصحافية وايصالها الى أكبر عدد ممكن من القراء".
من جهته، رأى عضو مجلس نقابة المحررين وأمين الصندوق علي يوسف "أن الاعلام الرقمي هو وسيلة انتاج اعلامي ناتجة عن تطور او ثورة الاتصالات، التي أفرزت وسيلة انتاج معولمة بأكلاف أقل من أكلاف عولمة الاعلام"، وأكد أن "كل ذلك يقع تحت عنوان الاعلام نحو الصناعة، كقطاع انتاجي للفكر والثقافة والرأي العام، واداة معرفة ومواكبة وحرية وقدرة على الاختيار توصل الى ديموقراطية حقيقية".
أما عضو مجلس النقابة صلاح تقي الدين، فلفت إلى أن "الاعلام الرقمي، الذي أضحى حاليا ولفترة غير قصيرة مستقبلا، يتطلب إعادة نظر حقيقية بالقوانين الاعلامية وإعادة النظر في المهنة ودورها وعدم الربط بين مواقع التواصل الاجتماعي وبين مهنة الاعلام".
بينما أشارت عضو مجلس النقابة الزميلة يمنى الشكر غريب إلى أن "مقاربة موضوع الاعلام الرقمي بنظرة نقدية تبحث عن سيئاته قبل حسناته لا تعد سابقة"، لافتة إلى أنه "في مسار التواصل والاعلام عبر التاريخ، كانت للمجتمعات ردات الفعل نفسها منذ نشوء الصحافة بعد الادب، ثم اختراع الراديو، وبعده السينما والتلفزيون".