أشار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، خلال ترأسه القداس بمناسبة عيد الميلاد في بكركي في حضور رئيس الجمهورية ميشال عون، إلى أنه "فخامة الرئيس، لقد شئتم بمبادرة كريمة منكم المحافظة على التقليد الحميد، وهو الإحتفال بعيد الميلاد المجيد في كنيسة الكرسي البطريركيّ، للصلاة معًا والتماس نعمة الخلاص الروحيّ والوطنيّ، السياسيّ والإقتصاديّ، الإجتماعيّ والمعيشيّ، من المخلّص الإلهيّ يسوع المسيح، الذي نحتفل بذكرى يوم ميلاده، وهو "اليوم" الدائم. "فالمسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد" (عب 13: 8). إنّ هذا الإحتفال الذي يجمع سنويًّا رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة والبطريركيّة المارونيّة يؤكّد أن رسالةَ هذين الموقِعين وواجبَهما واحدٌ، وهو الحفاظُ على كيانِ لبنان واستقلاله وسيادته وهويّتِه والحؤول دون ذوبانِه في أي مشاريع عقائديّةٍ ودينيّةٍ وجغرافيًّة".
وأكد في كلمة له، أنه "يذهب فكرنا إلى إخواننا اللبنانيّين الذين يعانون الفقر والجوع والحرمان من أبسط وسائل الحياة كالغذاء والدواء والتدفئة من البرد القارس، فنطالب المسؤولين في الدولة الكفّ عن جريمة تعذيبهم وقهرهم، فيما العمل السياسيّ يهدف إلى تأمين الخير العام، الذي منه خير الجميع، وإنماء البلاد. فأيّ بشرى سارّة يحمل هؤلاء الذين يعطّلون مسيرة البلاد لشعبنا في زمن بشرى الفرح العظيم الميلاديّ. ولكن بكلّ أسف لقد امتهنوا قهر الشعب ولفّه بثوب الحزن والوجع بدل فرحة العيد. ولسنا ندري أهدافهم. فنأمل أن تتمكّنوا، فخامة الرئيس، مع ذوي الإرادة والنوايا الحسنة والمخلصين للبنان وشعبه، أن تتمكّنوا من إيجاد السبل لتحرير الدولة من مرتهنيها، والشعب من ظالميه".
ولفت الراعي، إلى أنه "ما ينقص الناس بالأكثر، أكانوا أغنياء أم فقراء، ليس فقط وسائلُ للعيش، بل وبخاصّة أسبابٌ للعيش، أي الرجاء، الذي يعطي معنى لحياتهم، وقوّة لصمودهم، ونظرة واثقة إلى المستقبل"، مؤكداً أنه "من هذا المنطلق حريٌّ بالشعبِ اللبنانيِّ أن يخرجَ من حَيْرتِه الوجوديّـة، وبالدولةِ أن تَستنهضَ مؤسّساتِها وتنهض من واقعِها المنهارِ الذي أوْصلَها إليه المسؤولون على مرّ السنواتِ إلى اليوم بفعلِ تفضيلِ نزواتِهم ومصالِحهم وولاءاتِهم المتنوِّعةِ على مصلحةِ لبنانَ والشعب. ومن هذا المنطلق أيضًا، نُهيبُ بالحكومةِ ألّا تخضعَ للاستبدادِ السياسيِّ على حساب المشيئةِ الدستورية. فمن واجبها استئنافِ جلساتِ مجلسِها لئلّا يتحوّلَ الأمرُ سابقةً وعُرفًا ويقيّدَ عملَ الحكومات. إنَّ رهنَ مصيرِ مجلس الوزراء بموقفٍ فئويٍّ يُشكّل خرقًا للدستورِ ونقضًا لاتفاقِ الطائف وتشويهًا للميثاقِ الوطني ولمفهومِ التوافق. هناك فارقٌ كبيرٌ بين التوافقِ على القضايا الوطنيّةِ وبين فرضِ إرادةٍ أحَديّةٍ عمدًا على المؤسّساتِ الدستوريّةِ وعلى جميعِ اللبنانيّين في كل شاردةٍ وواردةٍ. إن المسؤوليّةَ الوطنيّةَ تَفرِضُ الفصلَ بين التجاذباتِ السياسيّةِ وعملِ مجلس الوزراء وعملِ القضاء والإدارات عمومًا".
وشدد على أن "إوجودَ حكومة من دون مجلسِ وزراء ظاهرةٌ غريبةٌ تُبيحُ التفرّدَ بالقراراتِ الإداريّةِ من دون رعايةِ الحكومةِ مجتمعةً وموافقتِها. إنَّ هناك مَن يريد أنْ يجعلَ الناسَ تَعتادُ على غيابِ السلطاتِ الدستوريّةِ وسائرِ مؤسّساتِ النظام بغيةَ اختلاقِ لبنانَ آخَر لا يُشبِه نفسَه ولا بَنيه ولا بيئتَه ولا تاريخَه ولا حضارتَه. لقد قَضيتم يا فخامة الرئيس الجُزء الأوْفرَ من حياتِكم في الدفاعِ عن لبنان السيادة والاستقلال، ولا بدّ من إنقاذِه بمبادراتٍ جديدة من بينها اعتمادُ مشروع حيادِ لبنان"، لافتاً إلى أنه "لذلك نحن نساندكم، فخامة الرئيس، لكي يستعيدَ لبنان توازَنه وموقِعَه في العالمِ العربيٍّ وبين الأمم. نساندكم لكي تَرفعوا غطاءَ الشرعيّةِ عن كلِّ مَن يُسيء إلى وِحدةِ الدولةِ والشراكةِ الوطنيّةِ، إلى النظامِ الديمقراطي ودورِ الجيشِ اللبنانيِّ وعملِ القضاء، ويَمنعُ تنفيذَ الدستورِ والقراراتِ الدُولية. ولقد لَمستُم مدى الضررِ التي ألْحَقه هذا الواقعُ القائمُ بعهدِكم الذي أردُتموه، لدى انتخابِكم، عهدَ إصلاحٍ وتغييرٍ وتثبيتِ لهيبةِ الدولة".
وأكد الراعي، أنه "في هذا السياق نؤيّد بقوّةٍ التزامكَم بإجراءِ الانتخاباتِ النيابيّةِ في الموعِدِ الدستوريِّ. فعدا أنَّ هذه الانتخاباتِ هي استحقاقٌ دستوريٌّ واجبٌ، هي ضمانٌ لحصولِ الانتخاباتِ الرئاسيّةِ في مواعيدها، وهي أيضًا فرصةٌ للتغييرِ عبرَ النظام"، مشيراً إلى أنه "لواقعٌ محزنٌ أن تُغيّبَ الحكومةُ، فيما كان يَزورنا أمينُ عامِّ الأممِ المتّحدةِ، وفي الوقت الذي تُفاوِضُنا فيه المؤسّساتُ النقديّةُ الدوليّة. وأنّه لواقعٌ مُضرٌّ كذلك أن يَتمَّ الاعتداءُ على القوّاتِ الدُوليّةِ في الجنوبِ، والأمينُ العامُّ هنا يَختِمُ زيارتَه بعدما جَدَّدتم مع أركانِ الدولةِ الالتزامَ بدعمِ هذه القوّاتِ وتسهيلِ مَهمّاتِها. ولا شكَّ بأنَّ هذا الاعتداءَ أَلَمَكم يا فخامة الرئيس لأنّه بدا اعتداءً على هيبةِ الدولةِ وصدقيّتها أيضًا".