في اليومين الماضيين، عادت طاولة الحوار الوطني لتتصدر المشهد السياسي، إنطلاقاً من الدعوة التي توجه بها رئيس الجمهورية ميشال عون، على أساس 3 بنود أساسية هي: الإستراتيجية الدفاعية، خطة التعافي، اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة. ليضمّ إليها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أمس، بنداً إضافياً، هو تمتين علاقات لبنان العربية، لا سيما مع دول الخليج، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية أو الاساءة اليها.
السبب الرئيسي لهذه الدعوة قد يكون التعطيل القائم على مستوى طاولة مجلس الوزراء، نظراً إلى أن هذه الطاولة من المفترض أن تكون هي طاولة الحوار الدائمة، خصوصاً بعد إتفاق الطائف، لكن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه بقوة يتعلق في توقيت الدعوة، لا سيما أن غالبية القوى السياسية في طور التصعيد من مواقفها لا الحوار حول البنود الخلافيّة، مع العلم أن التجارب الماضية أثبتت عدم جدواها.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الدعوة، خصوصاً من جانب رئيس الجمهورية، كان من الممكن أن تكون أقوى، فيما لو حصلت في بداية ولايته الرئاسية لا في عامها الأخير، نظراً إلى أن البنود التي يطرحها تحتاج إلى سنوات للتفاهم حولها لا إلى بعض الأشهر، التي سيكون فيها أغلب الأفرقاء ينهمكون في أمور أخرى أكثر أهمية من وجهة نظرهم.
بالتزامن، تلفت هذه المصادر إلى أن العديد من الجهات السياسية، لا سيما تلك التي يصفها عون بـ"المنظومة"، قد لا يكون من مصلحتها أن تبيع رئيس الجمهورية، في هذا التوقيت بالذات، هذه الورقة، وتسأل: "ما الذي قد يدفع رئيس المجلس النيابي نبيه بري أو رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أو رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى المشاركة في هكذا الطاولة، في حال قرر رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط ألاّ يذهب هو أيضاً إلى المقاطعة أو العرقلة"؟.
وتوضح المصادر نفسها أن غالبية تلك القيادات لا تنظر إلى رئيس الجمهورية على أساس أنه الفريق المحايد في المعركة القائمة، لا بل على العكس من ذلك تعتبر أنها في معركة معه منذ سنوات طويلة، واليوم لديه فرصة ذهبية للإنتقام في ظل الضغوط المفروضة على تياره السياسي، لا سيما على المستوى الإنتخابي.
من وجهة نظر المصادر السياسية المتابعة، تلك القيادات تعتبر أن رئيس الجمهورية هو في أزمة كبيرة على مستوى علاقاته السياسية، خصوصاً بعد أن وصل التوتر إلى العلاقة التي تجمعه مع "حزب الله"، وبالتالي ليس هناك ما قد يدفعها إلى تقديم أي مساعدة له، لا سيما في ظل المواجهة التي يخوضها "التيار الوطني الحر" معها على كافة المستويات.
على صعيد متصل، تلفت المصادر نفسها أن العناوين المطروحة لهذه الطاولة من المفترض أن تكون عناوين الحملات الإنتخابية التي سيقوم بها كل فريق سياسي، الّتي من المفترض أن تبدأ بشكل أقوى مع بداية العام الجديد، ما يعني أنها ستكون موضع منافسة ومزايدة، لا موضع حوار للوصول إلى تفاهمات أو توافقات، إلا إذا كان الهدف من الدعوة أصلاً اظهار عدم رغبة باقي الأفرقاء بالتعاون مع رئيس الجمهورية.
في المحصّلة، تجزم هذه المصادر بأنّ طاولة الحوار، في حال عقدت، لن تكون مختلفة عن سابقاتها على مستوى النتائج العملية، لكنها تشير إلى أن العناوين المطروحة قد تكون مقدمة لما هو أكبر، في ظل ما يحصل على المستوى الإقليمي من تطورات، بالتزامن مع إرتفاع وتيرة الدعوات إلى تغيير أو تعديل النظام اللبناني.