منذ فترة قصيرة، وقبيل اعتذاره عن تشكيل الحكومة، روّج النائب سعد الحريري عبر مصادره ونوابه ومقربين منه، انه "سيبق البحصة" ويقول كل ما لم يقله سابقاً. ولكن، فعلياً لم يصدر عنه اي شيء خارج عن المألوف، وغادر من الباب الضيق وهو يختبر فترة الغياب القسري عن الساحة السياسية اللبنانية. في المقابل، ما ان اطلق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون موقفه من بكركي يوم عيد الميلاد المجيد، من انه سيتحدث يوم الاثنين 27 من الشهر الحالي، حتى تم التداول على نطاق واسع بأنه "سيبق البحصة" وسيفصح عن مكنوناته، حتى ان البعض ذهب الى حد ادعاء بعض المواقف على انها "تسريبات" من كلمته (وقد تبيّن ان كل ما قيل كان على غرار تنبؤات المنجمين ليلة رأس السنة).
في كلمته التي القاها باللغة العامية، مرر عون بعض العتب المبطن العالي السقف الى كل من حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري، من دون ان "يكسر الجرة" كلياً معهما، للحفاظ على العلاقة مع الاول، وتجنب اشعال حرب ضروس مع الثاني. وفعلياً، لم يكن الحديث عن قطع شعرة معاوية بين حزب لله والتيار الوطني الحر بعد كلام عون، سوى قلة تقدير ورؤية ناقصة، لانه من وجهة النظر المنطقية، لم يعد عون رئيس التيار بل النائب جبران باسيل، وبالتالي يجب انتظار ما سيقوله باسيل في اول موقف له في السنة الجديدة، ليبنى على الشيء مقتضاه بالنسبة الى ما يربط بين الحزب والتيار. وبالتالي، فإن كلمة عون حملت معها اعترافاً، وللمرة الاولى، انه "عجز" في بعض الامور، وهو مصطلح لم يستعمله سابقاً، واقترن بما اشتكى منه مراراً وتكراراً لجهة صلاحيات الرئيس المحدودة والتي لا تخوّله حتى الزام مجلس الوزراء على الانعقاد.
وما قاله عون بصريح العبارة وبطريقة غير مباشرة، ان ما تخوّف منه الجميع لجهة امتلاكه الثلث الضامن في الحكومة الجديدة، قد كسبه حزب الله بقوة الامر الواقع، وقد كان عون واضحاً في الاشارة الى ان ما يعرقل اجتماع مجلس الوزراء ليس مشكلة ميثاقية على غرار مقارنته بما شهدته حكومات سابقة عند عدم التئامها. وبدا واضحاً ان رئيس الجمهوريّة غير راض كلياً عن عمل القضاء، ولا عن "سكوت" حزب الله عما شهده البلد على الساحة الداخلية على مدى السنوات الخمس من الولاية الرئاسية، وما يشهده حالياً في الاشهر الاخيرة من بقاء عون في قصر بعبدا. وبات على حزب الله حالياً ان يرد على هذا اللوم والعتب، انما قد ينتظر ان يتلقى الملامة دفعة واحدة بعد كلام باسيل، وهو يدرك (اي الحزب) ان العلاقة لم ولن تنقطع بين الطرفين، ليس بسبب الهيام التام بينهما، انما بسبب التداعيات التي يمكن ان تنشأ عن قطع هذه العلاقة، خصوصاً قبيل الانتخابات النيابية، حيث ستستفيد القوّات اللبنانية من هذا الامر بشكل تام، وستشدّ العصب المسيحي حولها بنسبة كاسحة، وستشدد عندها على ان ورقة التفاهم لم تصب في مصلحة المسيحيين، بل اتت لمصلحة التيار الوطني الحر حصراً ولم تعد تنفع عندما تضاربت المصالح. والاخطر من كل ذلك، هو امكان عودة التوتر على اشدّه بين المسيحيين والطائفة الشيعيّة على حدود المناطق المتلاصقة، وبالتحديد في منطقة عين الرمانة-الشياح، مع كل ما يعنيه ذلك من "انهيار" لضبط النفس على طرفي المنطقة، واستهلاك قدرات الجيش اللبناني لضبط الوضع.
لم يبق عون البحصة بشكل كامل، وهو ما يمكن استنتاجه من جملته الاخيرة في رسالته "بتأمل ما اضطر قول اكتر"، ما يعني ان هناك كلام اكثر لم يقله، وعتب اكبر لم يشأ الافصاح عنه، ولكن من المرجح الا يتكلّم عنه لانّ الفترة الباقية من عهده ليست بطويلة، ولان باسيل قد يتحدث عن بعض هذه الامور في كلمته.