يصح على كلام رئيس الجمهورية ميشال عون في رسالة مصارحة اللبنانيين المثل القائل «السم في الدسم»...تخفيف وقع ما قاله الرئيس حول اللامركزية الادارية والمالية الموسعة،والاستراتيجية الدفاعية، وخطة التعافي المالي والاقتصادي، واعتباره رد فعل مشروع على «لا قرار» المجلس الدستوري، لا يلغي الواقع الذي اقرت به قيادات في الثنائي الشيعي عن ان كلام عون هو برنامج انتخابي متكامل للتيار الحر والذي يتماشى مع ما يطلبه المجتمعين الدولي والعربي من حلفاء وخصوم حزب الله على حد سواء، كما يمكن وضعه في اطار الاسس والشروط التي يريدها التيار الحر في الجدولة الجديدة لاتفاق مار مخايل.
اذا، استبق التيار الحر الحوار المباشر مع حزب الله لتقييم تفاهم مار مخايل بجملة شروط لا يرفضها الحزب، ولكن تطبيقها وفقا لاحد القياديين في الثنائي الشيعي يحتاج الى نظام سياسي جديد ورؤية مختلفة لالية تسيير الدولة اللبنانية، وبطبيعة الحال، فان تكبير بيكار الشروط بالطريقة التي طرحها عون والكلام للقيادي ذاته سوف يبقى مجرد «عناوين» لاستحالة تطبيقها في ظروف سياسية واقتصادية كالتي نعيشها اليوم وفي الاشهر الاخيرة من عمر العهد، وبالتالي فان الهدف لم يكن استنهاض الشارع المسيحي بهذه العناوين «الرنانة» بل كان برنامج انتخابي كامل قدمه عون نيابة عن جبران باسيل لخصوم الداخل والخارج.
حتى اللحظة، يتفهم حزب الله تصعيد عون وباسيل بعد خسارتهم في المجلس الدستوري، صحيح ان العتب كبير جدا ولكنه لن يصل وفقا للحزب الى حد الغاء تفاهم مار مخايل، علما ان هناك من يؤكد انه لم يبقَ من التفاهم الا عنوان استراتيجي واحد وهو «مقاومة العدو الاسرائيلي»،رغم ان هذا البند ايضا قد يكون قابلا للاخذ والرد عند التيار لا سيما وان قياداته وفي مقدمتها باسيل اعلنوا جهارا عدم وجود اختلاف ايديولوجي مع العدو ولا مشكلة في التعايش معه.
وهنا بيت القصيد، اذ ان طرح الرئيس عون الاستراتيجية الدفاعية على ابواب الانتخابات النيابية وفي ظل تفاقم الخلاف بين التيار وحزب الله قد يكون «مشبوها»، ويمكن تدعيم ذلك بما سربه مقربون من باسيل حول كلامه في مجلس خاص «من ان لا مصلحة لنا في استمرار التحالف مع حزب الله بعد ان وضعت على لوائح الارهاب بسببه، وهو في المقابل لم يقدم اي التزام بحمايتي سياسيا وساهم بضرب العهد عبر السير خلف ما يريده رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الان هناك فرصة حقيقية لتحقيق المكاسب التي نبحث عنها لاننا حاجة ملحة للحزب، في حين ان تمايزنا عن الحزب وتقليص حدود تفاهمنا معه سوف يعيد تعويمنا سياسيا ويقوي موقعنا في الانتخابات النيابية والرئاسية».
على ان طرح علامات الاستفهام حول المطالب الثلاثة التي طرحها عون للعبور الى الدولة المدنية كما سماها، لا يعني عدم الاخذ بعين الاعتبار دعوة الرئيس الى الحوار الوطني العاجل لانقاذ لبنان، في المبدا اي دعوة للحوار وفقا للثنائي الشيعي هي شيء ايجابي ومرحب به، ولكن في ظل الانقسام الحاد داخل المجتمع اللبناني السياسي والشعبي وفي ظل خلاف عون مع معظم القوى السياسية :اي حوار سوف ينجح ومن هي القوى التي ستلبي هذه الدعوة وهل هناك فريق مسيحي قد يقبل بتعويم عون في نهاية عهده؟
وعلى هذا المنوال، فان باسيل وعون باتا محاصرين داخليا ضمن بيئتهما وبين حلفائهما، وأي خطوة ناقصة قد يتورط فيها باسيل من قبيل طرح فك التحالف مع حزب الله وان كان هذا الطرح فقط للمزايدة الشعبوية سوف يضره وحده فقط، وسيزيد من عزلته السياسية والشعبية داخليا، في حين ان المجتمع الدولي ليس بصدد تقديم اي هدايا مجانية لباسيل اذا لم يعلن رسميا فك ارتباطه مع الحزب وهو ما يفوق قدرته، وبالتالي فان باسيل سوف يستمر باتباع سياسة «رِجل في البور ورِجل في الفلاحة» حتى اتضاح طبيعة مجريات المشهد الاقليمي والتسويات التي سيكون حكما من ضمنها لبنان ونظامه السياسي القائم.