لبّى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الدعوات التي صدرت منذ فترة غير طويلة، التي طالبته بوضع الجميع امام مسؤولياتهم عبر الدعوة الى طاولة حوار تشمل كل التيارات والاحزاب السياسية، للاتفاق على تصور واضح للحل والبدء بالعمل على تطبيقه. ولكن، بعد اخذ هذه الخطوة، اصبح من المهم معرفة ما ستحمله وما هي نتائجها، ومدى نجاحها او فشلها. في المبدأ، لم تنجح طاولات الحوار في ترسيخ اي اتفاقات، وجلّ ما كانت تحققه هو "تنفيس الاحتقان" في الشارع وفي نفوس المؤيدين والمحازبين. ولكن عملياً، لم تنجح الطاولات الحوارية في اتخاذ اي خطوات عملية انقاذية، الا تلك التي عقدت خارج لبنان، كونها حظيت بطبيعة الحال بضوء اخضر دولي لوضع الحلول موضع التنفيذ.
واللافت انه بعد كلام عون، بادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى الكلام بدوره، وشدد على امر اساسي وهو عدم رغبته في دعوة الحكومة الى الانعقاد ما لم يضمن تجاوباً ايجابياً، والا ستتحول الامور الى مزيد من التعقيد والمشاكل. هذا الكلام صحيح، وعليه لا بد من السؤال عما سيكون عليه الوضع في حال نجحت الدعوة الى الحوار، ووافقت الاطراف على الحضور، فهل سيتم فعلاً الاتفاق على شيء؟. فحتى مبدأ التواجد في مكان واحد غير وارد، بدليل عدم قدرة مجلس الوزراء على الاجتماع لبحث امور حياتية ومعيشية واقتصادية ومالية، اي بتعبير آخر غير سياسية، فكم بالحري اذا كان هدف الاجتماع يحمل طابعاً سياسياً كالاستراتيجية الدفاعية مثلاً وصلاحية من يضعها ويسهر على تنفيذها وكيفية تطبيقها؟ اضافة الى امور اخرى اساسية كالمسائل المالية والاقتصادية التي لا بد من ايجاد حلول عاجلة لها.
وعلى خط آخر، هناك مواضيع لا يمكن البت بها، مهما كان الثمن، على غرار مسألة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، حيث كان ميقاتي الاكثر وضوحاً في هذا المجال لجهة عدم المساس بالحاكم، ولكن ما لم يقله ميقاتي هو ان لسلامة حصانة دولية وليست محلية، وبالتالي تحّوّل الى خط احمر لا يجدر الاقتراب منه حتى اشعار آخر، وهو ايضاً حال المصارف التي لا يمكن لاحد ان يواجهها حتى ولو كان الحق الى جانبه، وامواله محتجزة من دون وجه حق... اضافة الى كل ذلك، هناك مواضيع تدخل في صلب المسائل الاقتصادية والماليّة والصناعيّة لا يُسمح بالبت بها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر توقيع اتفاقات مع شركات دولية من خارج التفاهم الدولي على تقاسم الحصص.
لا تختلف الحكومة عن طاولة الحوار، فالمشاركون هم انفسهم ولكن بدل ان يكونوا هم انفسهم على طاولة الحوار، تراهم يحضرون عبر ممثليهم في الحكومة، ولكن النتيجة هي نفسها، وقد تجلّت بحلتها التامة عند اول استحقاق جدي تعرضت له الحكومة "غير السياسية" و"الحيادية" و"البعيدة عن الحزبيين" والتي قاتل الجميع بشراسة لمنع حصول اي طرف على الثلث الضامن، لتأكيد عدم عرقلة عملها.وبالتالي، يمكن القول ان الدعوة الى طاولة الحوار، ان تمت تلبيتها، ستكون مجرد صدى لمواقف كل طرف، ولن يكون بمقدور احد اتخاذ قرارات جذرية مطلوبة بإلحاح لاحداث الخرق المطلوب في جدار الازمة اللبنانية السميك. ويقيناً،عند توافر الارادة الدولية والاقليمية لايجاد الحلول، سنشهد العودة السلسة والسريعة لمجلس الوزراء الى الانعقاد، وتلاشي الملفات التي تبدو اليوم "مستعصية"، وتحوّلها بشكل سحري الى ملفات عادية سرعان ما تدخل في ادراج النسيان لتضيع فيها وتتزامل مع ملفات لا تعد ولا تحصى كانت في الامس القريب من المستحيل ايجاد حلول لها.