بات من المتعارف عليه لبنانياً، انه مع انتهاء كل سنة، تتنافس وسائل الاعلام على اختلافها، للتهافت على المنجمين و"قارئي الغيب" و"المبصّرين" الذين يطلقون توقعاتهم وقراءاتهم المبنية على كل شيء الا الحقيقة... لن نكرر رأينا وموقفنا بالنسبة الى هؤلاء، ولكن سنحوّل اهتمامنا الى السياسيين الذين أثبتوا قدرتهم على التفوق على المنجّمين، بالادلة والبراهين وليس فقط بالكلام و"النظريات". فعلى عكس ما يتوقّعه المنجمون ولا يصدقون (على الرغم من كل المحاولات المستميتة لتركيب الاحداث بطريقة تؤدي الى إظهار صدق ما قالوا)، يعمل السياسيون بتفانٍ لتحقيق كل ما يرغبون فيه بالنسبة الى المواطنين. وفي ما يلي بعض هذه الحقائق:
-لبنان مستقل ولا تدخل في شؤونه: من يمكنه معاكسة هذه التصريحات التي يطلقها المسؤولون ليل نهار؟ ولمن لا يزال لا يصدقهم، نحيله الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي اتى خصيصاً الى بيروت واطلق شخصياً مبادرته الشهيرة، ولكن لأنه تدخل في الشؤون اللبنانية، كان عقابه عدم الالتزام بالمبادرة و"تلويعه" لمجرد التجرؤ على طرح مخرج للازمة ودخوله على الخط اللبناني بهذه الطريقة. حصد ماكرون الفشل، وحصد السياسيون اللبنانيون... فشلاً اكبر، وعادوا ليسيروا بالرغبة الفرنسيّة والدوليّة في وقت لاحق، انما كل ذلك لا يهم، بل المهم انهم تمكنوا، ولو بمساعدة خارجيّة، من إحباط ماكرون وتأخير الحلول لتتناسب مع اهدافهم ومصالحهم.
-استقلالية السلطات وعدم التداخل: يفاخر لبنان بأنّه يمتلك ثلاث سلطات مستقلة ولا تداخل فيها وهي: السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية والسلطة القضائية. وبالفعل، لم تتداخل أي سلطة من هذه السلطات في شؤون غيرها، الى حدّ ان هذه السلطات لا تمارس حقوقها كي لا تعتبر تدخلاً في السلطة الاخرى. وهكذا، لا يراقب مجلس النوّاب مثلاً عمل الحكومة ولا يحاسبها، فـ"ما له وما لها"، كما ان الحكومة لا تجتمع ولا تمارس سلطتها في تطبيق قراراتها حتى المعيشية والحيايتة منها والمتعلقة بشؤون المواطنين اليوميّة، فيما السلطة القضائيّة تتفرج على بحر من التفسيرات والشروحات لقرارات قضائيّة ودستوريّة من دون ان تتدخل للبت بها، فالضياع في هذا المجال يبقى افضل بكثير من تهمة التدّخل في عمل أيّ سلطة اخرى. هل يمكن لاحد ان ينكر حرص المسؤولين على تطبيق كلامهم في هذا الخصوص؟.
-احتياطي الذهب: تنبّأ المسؤولون السياسيون والاقتصاديون منذ عقود من الزمن، بأنّ احتياطي الذهب في لبنان سيكون بـ"ألف خير"، وها هي التوقّعات تتحوّل الى واقع لا يمكن نكرانه، بدليل ما صدر عن مجلس الذهب العالمي الذي وضع لبنان في المرتبة الـ11 عالمياً من حيث احتياطي الذهب، والاول عربياً! نعم، صدق المسؤولون، ولو أنّه لا يمكن ترجمة هذا الانجاز على الورق، والجميع (في الداخل والخارج) حذّر من أن لبنان يتجه الى فقدان هويته واساس وجوده، وان شعبه يعاني من مجاعة واسوأ وضع يمكن لدولة ان تشهده، ولكن كل ذلك لا يوازي التزام المسؤولين بما قالوه وتوقعوه.
-لبنان في نادي الدول النفطية: هذه النقطة التي التقى كل العالم حولها، اذ، وباعتراف الجميع، بات يتمتع بميزة امتلاكه للنفط والغاز، واصبح بالتالي من الدول النفطيّة. نعم، يحمل هذه الصفة، ولو انّه لا يحمل أي افادة ملموسة لهذه الميزة، ولم يستفد حتى تاريخه من أي مردود معنوي أو مادي من هذا الاكتشاف الطبيعي لثرواته. لا بل بدأ يعاني من تطفّل اسرائيل على الخط، ومن "شهيّة" الدول على استغلال هذه الثروات (بالطرق القانونيّة والشرعيّة طبعاً)، وهو كالتائه في غابة من الخبراء في هذا المجال. ولكن، كل ذلك لا يهمّ ما دام المسؤولون قد صدّقوا وتأكّد أنّ لبنان يملك بالفعل النفط والغاز.
هذا غيض من فيض كلام المسسؤولين الذين أثبتوا للجميع أنّهم افضل بكثير من المنجّمين، وان ما يقولونه صادق ولو كان يؤدي الى كوارث ومصائب وويلات على غيرهم، الا انه يناسبهم ويفرحهم ويؤمّن صدقيتهم ومصالحهم، وانه كل سنة "هم" بخير.