بعد طول معاناة وتفكير واتصالات، اعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من قصر بعبدا، انه سيدعو الحكومة الى الاجتماع لبحث موضوع الموازنة. هذا الموقف اتى بعد ان دافع ميقاتي مراراً وتكراراً عن وجهة نظره بعدم دعوة الحكومة الى الالتئام، مخافة ان يستقيل الوزراء التابعين للثنائي الشيعي (حزب الله وحركة امل)، فتفقد الحكومة اسس وجودها وتصبح مستقيلة عملياً، ناهيك عن وضع ميقاتي في خط مواجهة مباشرة مع الثنائي، وهو امر يتجنبه منذ زمن. اللافت في هذا الموضوع، ان ميقاتي اجرى اتصالات قبل اعلان موقفه من قصر بعبدا، كما أُجري اتصال بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري للحديث عن فتح دورة استثنائية لمجلس النواب. وقد كان محط اهتمام، نظراً الى انه كسر حائط الجليد السميك الذي يفصل بين الرجلين، والذي زاد من سماكته الكلام الذي صدر عن عون حول بري والخلاف المستحكم بينهما، فأتى الاتصال لاذابة بعض الجليد من دون ان يزيله بطبيعة الحال.
على خط آخر، ما ان اعلن ميقاتي موقفه والذي استند فيه الى معطيات وتطمينات من مختلف الاطراف، حتى بدأ يتصبب عرقاً بفعل المواقف والمصادر التي عمدت الى التخفيف من احتمال دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد، وروّجت ان ميقاتي انما حاول احراج الثنائي الشيعي بطرحه موضوع الموازنة، لانه يعلم ان هذه المسألة تحديداً حيوية على أكثر من جبهة: جبهة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، جبهة التطمينات الدولية بالنسبة الى جدّية الحكومة في وضع خطة تصلح ان تشكل اساساً للمفاوضات مع العالم في وقت يعاني لبنان من "عزلة" اقتصادية ومالية، ناهيك عن تليين الموقف بعض الشيء بالنسبة الى اللبنانيين الذين يرتبط الكثير من شؤونهم بهذه الموازنة. وبالتالي، فإن عدم تلبية وزراء للدعوة (عندما تصدر) الى الاجتماع لبحث الموازنة واقرارها واحالتها الى مجلس النواب، انما يضع هؤلاء في موقف حرج لأنّ الملفّ لم يعد سياسياً ولا قضائياً، بل يتعلق حصراً بالامور الاقتصادية والمالية والحياتية، والابتعاد عنه او تعطيله ليس بالامر السهل، ونحن على ابواب مرحلة انتخابات تتصاعد وتيرة التحضيرات لها.
من هنا، يرى كل طرف الموضوع من وجهة نظره، فبالنسبة الى ميقاتي، هناك فرصة لانقاذ الحكومة من المراوحة التي علقت فيها بفعل الرمال المتحركة لملف انفجار مرفأ بيروت، وبالنسبة الى الثنائي الشيعي، هناك حرج امام مناصريهم بعد ان وضعوا سقف عودة وزرائهم الى الجلسات الحكومية معالجة معضلة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، وعليه فإنّ أيّ تراجع عن هذا الموضوع سيجبر الثنائي على اختلاق التبريرات لانقاذ ماء الوجه. ولكن مصادر متابعة اكدت ان الموقف الصادر عن ميقاتي لم يكن ليبصر النور لو لم يتمّ التنسيق مسبقاً مع الطرفين المعنيين اي حزب الله وحركة "امل"، وخير دليل على ذلك انه وقف في وجه كل الدعوات التي طالبته بالمبادرة الى دعوة الحكومة للاجتماع. وتضيف المصادر ان الضمانات التي حصل عليها ميقاتي كانت كفيلة بخروجه الى العلن لجهة نيته الدعوة الى جلسة للحكومة، وربطه الموضوع بمسألة الموازنة للتشديد على انه لن يقارب اي موضوع او ملف آخر لا يزال يشكّل حساسية لبعض الاطراف، ومنعاً لاي اشكال قد يسجل داخل الحكومة على غرار الجلسة الاخيرة التي عقدها مجلس الوزراء قبل ان ينقطع عن التلاقي.
وعلى الرغم من سخرية الامور بحيث ان الدعوة الى اجتماع الحكومة او عدمه بات "قضية وطنية" ومصيرية، فيما لبنان لا يزال على كف عفريت، تبقى الموازنة الفرصة الابرز لاخراج الحكومة من سباتها العميق، فهل ستشكل المخرج المناسب ولو لفترة محدودة؟!.