في مُحاولة لكسر الجُمود القاتل، ولإنقاذ ما تبقّى من أشهر قليلة للعهد قبل تنظيم الإنتخابات النيابيّة في أيّار المُقبل، دعا رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون إلى حوار داخلي، ثم تسارعت الأحداث وبدأ الحديث عن مُحاولات جديّة للحلحلة على مُستوى كلّ من مجلس النوّاب والحكومة والعديد من الملفّات العالقة. فما الذي يحصل، وما هي المَعلومات في هذا الشأن؟.
بحسب كلّ المَعلومات المُتقاطعة، إنّ العديد من الجهات السياسيّة ترفض تلبية دعوة رئيس الجُمهوريّة إلى الحوار، كل منها لأسباب مُختلفة ومن مُنطلقات وإعتبارات غير مُتشابهة، بإستثناء نُقطة إلتقاء واحدة تتمثّل في إنتظار الكثيرين نهاية العهد، ورفضهم منح الرئيس و"التيّار الوطني الحُر"، أيّ حبل نجاة، على الرغم من أنّ الجميع تقريبًا مسؤول عن غرق السفينة اللبنانيّة، ولوّ بنسب مُتفاوتة. ومن الضروري الإشارة إلى أنّ الملفّات الثلاثة التي دعا العماد عون للتحاور بشأنها، وهي: "اللامركزيّة الإداريّة والماليّة الموسّعة"، و"الإستراتيجيّة الدفاعيّة"، و"خُطة التعافي المالي والإقتصادي وإقرار الإصلاحات والتوزيع العادل للخسائر"، تطال أكثر من طرف، الأمر الذي دفع كل مُتضرّر من أيّ ملفّ منها، إلى التنصّل من كامل الحوار، خاصة وأنّ جهات عدّة تعتبر أنّ الدعوة إلى الحوار جاءت مُتأخّرة جدًا، وجهات أخرى تعتبر أنّ هذه الدعوة وُلدت ميتة، وجهات ثالثة تعتبر أنّ تشديد الرئيس على ضرورة إجراء المُحاسبة، وتحديد المسؤولين عن الإنهيار، يدلّ على أنّه لا يزال يرفض تحمّل أيّ مسؤولية في ما حصل، ويُحاول إلقاء التبعات على الآخرين، وهو ما لا يُمكن المُوافقة عليه.
تذكير أنّه بين العامين 2014 و2017 تمّ على مراحل، عقد 41 جلسة حوار، ساهمت في تنظيم الخلاف في لبنان، وحالت دون نقل الحرب السُوريّة آنذاك إلى البلد، لكنّها فشلت فشلاً ذريعًا في التقدّم قيد أنملة في أيّ ملفّ خلافي داخلي، وفي طليعتها مسألة سلاح "حزب الله". وبالتالي، في ظلّ الإنقسامات العميقة الحاصلة حاليًا، وعلى بُعد أقل من خمسة أشهر على موعد الإنتخابات النيابيّة، وأقلّ من عام على إنتهاء العهد الرئاسي، لا أمل في إحراز أيّ تقدّم على مُستوى الملفّات الخلافيّة، لأنّ مصلحة الجميع الإنتخابيّة تقضي برفع سقف المُواجهة السياسيّة والإعلاميّة والحزبيّة وحتى الطائفيّة، وليس تبريدها.
لكن طالما أنّ أحدًا لا يريد الحوار، لماذا جرى في اليومين الماضيين الحديث عن أجواء إيجابيّة، قد تفضي إلى نوع من الحلحلة، وقد تكسر الجُمود الحاصل على مُختلف المُستويات؟.
بحسب المَعلومات أيضًا، إنّ رئيس الجُمهوريّة تيقّن أنّ سعيه لإستخدام ورقة عدم التوقيع على الدعوة إلى فتح عقد إستثنائي للمجلس النيابي لن ينجح، بسبب تقاطع مصالح بين أغلبيّة من القوى السياسيّة راحت تعمل جاهدة على جمع التواقيع على عريضة تُلزم الرئيس على هذه الخُطوة وفق المادة 33 من الدُستور، وأنّ المسألة كانت مسألة وقت قبل حُصول ذلك. وهنا، دخل رئيس الحُكومة نجيب ميقاتي على الخطّ في مُبادرته يوم الأربعاء، وتلقّف خُطوة رئيس الجمهوريّة الإيجابيّة بتوقيع 16 قانونًا كان مجلس النوّاب قد أقرّها في الماضي القريب، وعمل على الذهاب بالإيجابيّة أبعد من ذلك، لجهة إقناع الرئيس بالتوقيع على فتح الدورة الإستثنائيّة المَذكورة، على أن تُقابل هذه الخُطوة بخُطوات إيجابيّة مثل التصديق على مُوازنة العام 2022، وإقرارها، على سبيل المثال لا الحصر، على أمل أن يفتح هذا الأمر باب عودة مجلس الوزراء إلى الإنعقاد.
لكن حتى لوّ سلّمنا جدلاً بنجاح هذا المسار الذي تراجعت حُظوظه في الساعات الماضية، لا حُلول شاملة على الإطلاق، أيّ أنّه لا جلسات دائمة لمجلس الوزراء قبل إزاحة المُحقّق العدلي في قضيّة إنفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، عن الملف بشكل نهائي، كما يُطالب ويُصرّ "الثنائي الشيعي"، على الرغم من كل التداعيات الكارثيّة التي جرّها هذا الموقف على لبنان واللبنانيّين. وبالتالي، إنّ أيّ تقدّم مُحتمل-ولوّ ضئيل، سيكون على القُطعة حصرًا، ووفق مبدأ التسويات المَصلحيّة، أي ملفّ في مُقابل ملفّ، وواحدة في مُقابل واحدة! بمعنى آخر، كما جرى ربط ترقية ضُبّاط دورة العام 1994 بالمُوافقة على ضمّ مجموعة من الناجحين في إمتحانات مجلس الخدمة المدنيّة إلى القطاع الرسمي، وعلى تسهيل مرسوم دفعة من مأموري الأحراش، إنّ أيّ حلّ لأيّ ملفّ سيكون مربوطًا بحلّ مُقابل لملفّ آخر! حتى أنّ فتح أيّ دورة إستثنائيّة لمجلس النوّاب سيكون مربوطًا بجدول مُحدّد للأعمال، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أي جلسة مُفترضة لمجلس الوزراء.
في الخُلاصة، إنّ تحقيق أيّ خطوة إيجابيّة من حيث الشكل خلال الأيّام القليلة المُقبلة، هي غير ذلك في المَضمون، بل مُجرّد مصلحة مُشتركة على مُستوى ملفّات مُتقابلة، حيث يُتوقّع إستمرار الكباش السياسي الحاد، ليس حتى موعد الإنتخابات النيابيّة فحسب، بل حتّى موعد الإنتخابات الرئاسيّة المُقبلة، وربما إلى أبعد منها، في حال الفشل في إنتخاب رئيس جديد للبلاد.