منذ أشهر طويلة، تُطرح أسئلة حول واقع الساحة السنية في الإنتخابات النيابية المقبلة، لا سيما بعد تسريب العديد من المعلومات عن نية رئيس الحكومة السابق سعد الحريري العزوف عن المشاركة في هذا الإستحقاق، على خلفية عدم وضوح الموقف السعودي منه، على عكس ما هو الحال بالنسبة إلى حزب "القوات اللبنانية"، الذي بات يوصف بأنه حليف الرياض الأساسي في لبنان.
يوم أمس، كان لافتاً هجوم أمين عام تيار "المستقبل" أحمد الحريري على رئيس حزب "القوات" سمير جعجع، في ظلّ المعلومات عن مساعٍ قائمة لحصول تحالف إنتخابي بين جانبين يجمعهما في العديد من الدوائر، بالإضافة إلى "الحزب التقدمي الإشتراكي"، على خلفية كلام جعجع عن أن الأكثرية السنية هم حلفاء له بطبيعة الحال على المستوى الشعبي لا القيادي، لافتاً إلى أنّ الأمور لم تعد تحتمل هدنات.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ كلام جعجع ما كان من الممكن أن يمر مرور الكرام، لا سيما في هذه المرحلة الحسّاسة بالنسبة إلى "المستقبل"، حيث لا يزال الجميع ينتظر موقف الحريري، المرتبط بشكل أساسي بالموقف السعودي من الساحة السنّية، خصوصاً أن رئيس "القوات" تتطرق بشكل مباشر إلى الواقع على هذه الساحة، عبر الإيحاء بأن مزاجها أقرب إلى طروحاته السياسية، بما يشبه التحريض على "المستقبل".
بالنسبة إلى هذه المصادر، هذا الأمر يعني أن جعجع أراد، بما يمثل رئيس "القوات" اليوم على المستوى الإقليمي، أن يمهّد الطريق إلى طرح نظرية البديل عن الحريري أو الوريث له، الذي من المفترض أن يتولّى المهمة في حال قرر رئيس الحكومة السابق الإبتعاد عن الواجهة أو كان الموقف السعودي يصب في هذا الإتجاه، حيث لدى الحزب رغبة واضحة في أن يكون هو المقرر الأساسي في هذا المجال، عبر التحالف مع مجموعة من الشخصيّات السياسية، بينما الحريري يطمح إلى التأكيد، محلياً وإقليمياً، أن لا بديل له.
من حيث المبدأ، يواجه "المستقبل"، في الوقت الراهن، منافسة شرسة من قبل العديد من القوى والشخصيات السنّية الطامحة إلى لعب دوراً فاعلاً في ساحته السياسية، أبرزها قد يكون رجل الأعمال بهاء الحريري، لكن من حيث المبدأ لم ينجح أي منها في قلب موازين القوى، نظراً إلى أن رئيس تيار "المستقبل" لا يزال هو الفاعل الأساسي بالرغم من غيابه عن الساحة.
من وجهة نظر المصادر المتابعة، النقطة المفصليّة في هذا المجال تكمن بإمكانية صدور موقف سعودي واضح، سواء بدعم الحريري نفسه أو أيّ شخصية أخرى أو ترك الباب للمنافسة أمام الجميع، لكنها تعتبر أن حديث جعجع عن أن الأمور لم تعد تحتمل هدنات يعني أن "القوات" لم تعد تفضّل خيار "المستقبل"، بل تدعم الخيار البديل، الأمر الذي دفع التيّار المذكور إلى الرد بشكل قاس، خصوصاً أن العديد من القوى السياسية الأخرى، سواء كانت حليفة أو معارضة للحريري، أكدت على أهميّة حضوره في المشهد السياسي.
في مطلق الأحوال، تشدد المصادر نفسها على أنّ الأساس يبقى في أن أي مشروع واسع لقلب الأكثرية النيابية لا يمكن أن يتجاهل الواقع على الساحة السنّية، نظراً إلى أنّ حالة الضياع التي تمر بها قد تستفيد منها قوى الثامن من آذار أكثر من غيرها، الأمر الذي يحتاج إلى إعادة ترتيب قبل فوات الآوان، لكن الأكيد أن هذه المهمة لن تكون سهلة على الإطلاق، لا سيما إذا ما استمرت العلاقة بين "المستقبل" و"القوات" على ما هي عليه اليوم، إلا إذا قررت الرياض التدخل بشكل واضح وعلني لحسم الأمور.