في أي دولة يحترم فيها المسؤولون أنفسهم، كان من المفترض أن تعلن، اليوم قبل الغد، حالة طوارئ مالية واقتصادية، من أجل البحث في السبل التي تقود إلى الحد من الانهيار القائم على مستوى سعر صرف الليرة، بعد أن وصل السعر إلى حدود 33 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد في الساعات الماضية، لا الاستمرار في النهج نفسه الذي لا يقود إلا إلى المزيد من التدهور.
في هذا السياق، من الضروري السؤال عن جدوى عقد رئيس الجمهورية ميشال عون لقاءات سياسية، تمهد الطريق لتحديد موعد انعقاد طاولة الحوار الوطني، بينما هو يدرك جيداً أن هذا الحوار سيكون دون أي فائدة، لا سيما أن هناك أفرقاء أساسيين قرروا مسبقاً المقاطعة، بينما العناوين المطروحة يحتاج إنجازها إلى سنوات، بدل أن يذهب إلى البحث عن الخطوات العملية التي تقود إلى معالجة ما يحصل.
بالإضافة إلى ذلك، من الضروري السؤال عن الأسباب التي تدفع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى زيارة القاهرة في هذا التوقيت، بدل أن يخرج من دائرة الانتظار لتوجيه الدعوة إلى جلسة طارئة لمجلس الوزراء، خصوصاً بعد أن كان قد دعا الشباب اللبناني كي لا يفكر في الهجرة، فهل يظن أن هؤلاء الشباب سيقتنع بذلك، في الوقت الذي يشاهد فيه المسؤولين يتفرجون على ما يحصل من دون أن يبادروا إلى القيام بأي خطوة؟.
من جانبه، قرر رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، انطلاقاً من موقعه المعارض، الاستثمار في الانهيار، فهو يريد أن يقنع الناخبين أن مجرد التصويت لمرشحيه في الانتخابات النيابية سيقود إلى خفض سعر الصرف، الأمر الذي لا يمكن تفسيره من الناحية الاقتصادية بأي شكل من الأشكال، بينما في الجهة المقابلة ينشغل "حزب الله"، شريك "حركة أمل" في تعطيل مجلس الوزراء، في تنظيم لقاء لقوى المعارضة السعودية في بيروت، في مؤشر على أن الحزب بات يريد الذهاب إلى صدام مع الرياض.
حالة الإنكار أو التجاهل للواقع الذي يعيشه اللبناني لا تقتصر على الشخصيات والقوى المذكورة في الأعلى، بل هي تشمل الجميع دون استثناء، حيث ليس هناك من يفكر إلا بكيفية الاستثمار الذي يصب في صالحه انتخابياً، كرئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي قرر، بعد فشله في تشكيل الحكومة، أن يغادر البلاد، مسرباً، بين الحين والآخر، معلومات عن عدم رغبته في خوض الاستحقاق الانتخابي، كي يكسب المزيد من التعاطف الشعبي، بينما يفضل أفرقاء آخرين، كرئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، الدخول في معارك تسجيل النقاط في ما بينهما.
في الوقت الراهن، من الضروري أن يقتنع الجميع، طالما هناك شبه اجماع على أن ما يحصل لعبة سياسية أكثر مما هو واقع اقتصادي، بأن ما يهم اللبنانيين هو وضع حد للانهيار الحاصل، لا الدخول في معارك وهمية لا طائل منها، أو إطلاق الشعارات التي لا تؤمن الخبز أو البنزين أو الدواء، خصوصاً أن الجميع يتبادل الاتهامات حول المسؤولية، وبالتالي على جميع من يعتبر نفسه مسؤولاً في هذه الدولة أن يسارع إلى إيجاد الحلول المنطقية، أو أن يرحل غير مأسوف عليه، لأن لقمة عيش المواطن وحياته أهم من أي أمر آخر.