منذ إعلان "حزب الله" و"حركة أمل" قرار عودتهما إلى طاولة مجلس الوزراء، تطرح السيناريوهات حول توقيت هذه العودة، حيث ذهب الكثيرون إلى ربطها بالتطورات القائمة على المستويين الاقليمي والدولي، متجاهلين أن الأساس يبقى في المعركة المنتظرة على المستوى المحلّي، أي الانتخابات النّيابية المقبلة، حيث الصراع على من يفوز بالأكثريّة النّيابية في البرلمان المقبل.
في هذا السّياق، من الضروري الإشارة إلى نقطتين جوهريتين: الأولى هي أن امكانية التحالف بين قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" لم تكن متوفّرة في ظلّ الأجواء الماضية، حيث ستكون محرجة لقيادة التيار أمام جمهورها، أما الثانية فهي أنّ "حزب الله" كان قد أطلق مفاوضات تصب في هذا الاتجاه، أبرزها بين الحركة والتيار وبين الأخير وتيار "المردة"، نظراً إلى رغبته في تأمين الفوز بالأكثريّة النّيابية، بالإضافة إلى منع حزب "القوات اللبنانية" من الفوز بالأكثرية النيابية المسيحية.
في هذا الإطار، تلفت مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّه بناء على ذلك أصبحت معركة الحزب محصورة بـ3 نقاط أساسية: الأولى هي حماية جميع المقاعد الشيعيّة من الخرق، أي الفوز بـ27 مقعداً، الأمر الذي يتطلب منه إدارة المعركة بشكل جيّد، خصوصاً أنه في الانتخابات الماضية خسر معركة المعقد الشيعي في جبيل من الناحية العمليّة، إلا أنّه بسبب موقف النائب الراحل مصطفى الحسيني تمكن من الفوز به من الناحية السياسية.
بالنسبة إلى النقطة الثانية، فهي تكمن بتأمين فوز تحالف قوى الثامن من آذار بثلث أعضاء المجلس النيابي، الأمر الذي يتطلب البحث في صياغة التحالفات بشكل جديد، بينما النقطة الثالثة فهي الفوز، بالتحالف مع "التيار الوطني الحر"، بالأكثريّة النّيابية، حيث ان المعركة الأساسية تخاض ضد هذا التحالف على المستوى الاستراتيجي، بالرغم من أن غالبية أعضائه، خصوصاً رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل ورئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية، يفكرون في كيفيّة الفوز بمعاركهم الجانبيّة بعيداً عن التحالف الأوسع.
في الفترة الماضية، سجّلت المصادر نفسها تراجعاً في حدّة الخطابات السّياسية بين الأفرقاء المعنيين، حيث لم يسقط فرنجيّة فرضيّة التحالف في دائرة الشمال الثالثة لكنّه ربطها بموقف باسيل، الذي يفتقد في هذه الدورة إلى الصوت السنّي المؤثّر نتيجة خلافاته مع تيّار "المستقبل"، بينما كان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري يتولّى الدعوة إلى التصويت له في الدورة الماضيّة، أمّا على مستوى العلاقة مع "أمل"، يمكن ملاحظة بعض الإشارات الإيجابيّة، التي من المفترض أن تتعزّز بعد العودة إلى مجلس الوزراء.
حول هذا الموضوع، تشير مصادر مطّلعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ علاقة "أمل" و"الوطني الحر" ليست علاقة سويّة، لكن بالنظر إلى مواقف الجانبين الأخيرة لا يمكن عدم ملاحظة إشارات على علاقة بالتحالف بينهما في الانتخابات المقبلة، بحال كان التحالف ضرورياً ومفيداً، فبالنسبة إلى الحركة لم يتخطّ تصعيدها "الردّ" على الاتّهامات، وتؤكّد مصادرها عند السؤال عن العلاقة مع التّيار أن لا أعداء لها في الداخل بل خصوم، والخصومة خاضعة لاعتبارات عدة لا تجعلها دائمة.
بناء على ذلك، يمكن اعتبار قرار عودة "الثنائي الشيعي" إلى الحكومة، بحسب المصادر نفسها، بادرة طيّبة باتجاه "الوطني الحر"، سيسعى "حزب الله" إلى استغلالها لجمع القوى المتخاصمة، إلا أنّ الفائدة قد لا تكون بالجمع أحياناً، بل بتنظيم الفراق، بسبب اختلاف مقتضيات المعركة بين دائرة وأخرى، كدائرتي صيدا جزّين وجبيل كسروان، على سبيل المثال، حيث التحالف قد يكون مضرّاً.
من وجهة نظر هذه المصادر، التدقيق في تقسيم الدوائر الانتخابيّة يظهر أن تلك التي يحتاج فيها التيار إلى التحالف مع الحزب ليست كثيرة، فهي بشكل أساسي بعبدا وبيروت الثانية، فعدم التحالف في الأولى يعني فوز "الوطني الحر" بمقعد نيابي واحد (لديه 2 في الوقت الراهن)، بينما في الثانية قد يؤدّي إلى خسارته المقعد الانجيلي الذي يشغله النائب إدكار طرابلسي، في حين أن التحالف يفتح الباب أمام حصوله على المزيد من المقاعد، كأحد المقاعد المسيحيّة في دائرة بعلبك الهرمل، من دون تجاهل التداعيات الايجابيّة لاحتمال التحالف مع "المردة"، في دائرة البترون-زغرتا-الكورة-بشري.
في المحصّلة، ترتيب الأوضاع السّياسية الداخليّة يمهّد الطريق نحو التحالف الانتخابي، بين قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر"، حتى ولو تطلّب ذلك عمليّة التفاف حول العلاقة مع "أمل"، كذهاب المقعدين الشيعيّين في بعبدا للحزب، مقابل أن يكون المرشح في جبيل من حصة الحركة، مع العلم أنّ التيار لديه القدرة على إدارة العمليّة الانتخابية على القطعة، كما فعل في الانتخابات الماضية، حيث كان التناقض في التحالفات طاغياً.