يحلّ شهر كانون الثاني، موعد الإحتفال بأسبوع الصّلاة من أجل وحدة الكنائس، فيتنادى المفترقون في كلّ أسابيع السنة، كعادتهم، إلى الإجتماع والصّلاة علَّهم يتوفّقون هذه المرّة بفتح ثغرةٍ ما، ولو صغيرة، في جدار الإنقسام السّميك، الذي لَم يفلحوا إلى الآن في اختراقه!.
يلتقي مَن في أيديهم سُلطان الحلّ والرّبط(متى16: 19)، ليُكرّروا ما سبق وقاموا به في السّنة التي مرّت، وفي تلك التي من قَبلها، ومن قَبلها، ومن قَبلها، وعلى مدى أكثر من مئة عام من اليوم! يلتقون في مشهديّة "مزوزقة" مُطرّزة، مُشكشكة! يلتقون من دون ودّ! ولا عجب في ذلك، فبعض أبناء البيت الواحد يفعلون ذلك أيضاً! يُصلّون جَهورَةً من دون حرارة، ويفترقون من دون ثِمار، أو، لِنَقُل، مع ثمار خجولة نسبةً إلى حجم الصّلاة المتراكم على مدى أكثر من قرن!.
لست أدري ما الذي يشعر به هؤلاء المجتمعون حقيقةً، عندما تُتلى على مسامعهم، أو عندما يقرأون، أو عندما يُصلّون معاً صلاة يسوع التي تدعوهم إلى أن يكونوا واحِداً كما هو والآب واحد(يو17: 11)، التي رفعها إلى الله أبيه قبل قليلٍ من ذهابه إلى الصّليب والموت، والتي لو أطاعوها لما أصبحت الكنيسة كنائس! ولست أدري ما الذي يشعر به هؤلاء "المتألّهون" عندما يقفون أمام المنابر، ويدعون الناس إلى حُسن العبادة والتفاهم والإتفاق والإلفة والمحبة، وهُم أنفسهم متخاصمون، متباعدون، متباغضون! هل يشعر سادة الكنائس، قِبلة أنظار المؤمنين، بأنهم مُخطئون إلى وصيّة المسيح! هل يشعرون بأنهم متملّقون، يقولون شيئاً ويفعلون عكسه! أم تراهم يكتفون بإلقاء المَلامة على الآخرين... أولئك... أولئك! هل يعي ساسة الكنائس حقيقةً بأن روح الإنقسام يُناقض روح الله، الذي هو روح الوحدة! أعتقد ذلك! هُم الذين علّمونا ذلك! ولكن إن كان الجميع مُقتنعون بضرورة الوحدة، فلِما لم تتحقّق إلى الآن! ما هو المانع، ومَن هو المُمانع؟ نستحلفكم بالربّ قولوا لنا، وللرّعية التي يحقّ لها أن تعرف، وللشّعب الذي يتطلّع إليكم أنتم المؤتمنون على إنجيل المحبّة! لقد تعبنا من الإنقسام الذي أضعف، ولا يزال، شهادتنا لملكوت الله في العالم! فإن كنّا نشترك في الخُبز الواحد والكأس الواحدة، فلِمَ لا نشترك في المائدة الإفخارستيّة الواحدة! وإن كان إلهنا إلهٌ واحد، وربّنا ربٌّ واحد(1قور8: 6) ورُوحنا روحٌ واحد، ورجاؤنا واحد(اف4: 4)، وإنجيلنا واحد، وإيمانُنا واحد، ومعموديتنا واحدة(أف4: 5)، وكنيستنا واحدة(قانون الإيمان النيقاوي 325)، وحياتنا الأبدية واحدة، فما هو هذا المانع الذي يمنع التئَام جرح "الإنشقاق الكبير"، ومَن هو الذي يمنع؟ وعلى عاتق مَن تقع المسؤولية؟.
لطالما كتبتُ مبدياً رأيي في موضوع وحدة الكنائس الذي هو بالنسبة لي، سهلٌ وبسيطٌ بقدر ما هو صعبٌ ومعقّد: هو سهلٌ وبسيط إن تماهت الكنائس مع تاريخ الخلاص، تاريخ الله معنا، وسارت بمعيّة رأسها، الذي يقودها إلى الوحدة! وهو صعبٌ ومُعقّد إن تمسكت الكنائس بالموروثات التاريخية الملوّثة بالحقد، "وبالحصريّ والخاصّ"، وبالماضي السيّء الذي أنهك كاهلها بالبغضاء، وترك تجاعيد بشعة حفرت عميقاً في وجهها الجميل المُزيّن بالأصل، بالنّعمة! وآن الأوان لهذا التاريخ الموبوء لأن يمضي إلى غير رجعة، مُفسِحاً في المجال أمام تدخلات الرّوح لكي يُعيد صياغة ما خرّبته يد الإنسان، وجوعه إلى مجد الدنيا وثرواتها وامتيازاتها؛ روح الوَحدة، والوئام، والإلتئام، والمحبّة!.
للأسف الشديد، مرَّ دهرٌ على انشقاق الكنيسة، ونصف دهر على الانشقاق عن الكنيسة، وأكثر من قرنٍ على أسبوع الصلاة من أجل لُحمة هذا الانشقاق، والأمور لا زلت على حالها من المراوحة، لا بل من المُماطلة، لا بل من العناد، لا بل من المداهنة، لا بل من المحاذرة! وما قبل الصّلاة لا زال كما بعدها! وما بعد الصّلاة، لا زال كما قبلها؛ الانقسام هو هو! والقطيعة هي هي! والتملّق هو هو! والعناد هو هو! والتمترس وراء الموروثات التاريخيّة، هو هو! والتمسّك بالحصري والخاص، هو هو! وجسد المسيح، بقي كما هو؛ منقسمٌ، مجروح، ومتألّم!.
يا سادة، وساسة الكنائس، لقد صلّيتم كفايةً، وآن أوان للأفعال! فليذهب كلّ واحد منكم باتّجاه أخيه ليتلاقى معه على طريق المحبة؛ فتصير الرعيّة واحدة لراعٍ واحد، وإلاّ فليس من داعٍ لصلواتكم، لأنّ الله لا يُغيّر ما في قومٍ ما لَم يُغيّروا ما في "قلوبهم"!.