صحيحٌ ما رشح من معلوماتٍ، بعد قرار الثّنائيّ الشّيعيّ العودة إِلى "بيت الطّاعة" الحُكوميّ، ومفادُها أَنّ "عَوْدة الثُّنائيّ الشّيعيّ عن مُقاطعة جلسات مجلس الوزراء، لم تنطوِ على أَيّ صفقةٍ"!.
وصحيحٌ أَيضًا، ما أَعلنه سفير دولةٍ غربيّةٍ، أَنّ "التدهور في لُبنان سجّل أَرقامًا صادمةً، تفوق أَضعاف أَرقام التدهور في أَزمة 1929 الاقتصاديّة الّتي ضربت العالم بأَسره"... وتاليًا، صحيحٌ أَيضًا أَنّ هذه الحقيقة المُرَّة كالعَلْقَم، هي ما جعل الثُّنائيّ يعود عن المُضيّ في اعتكافه الوزاريّ، على رُغم عدم "تطيير" القاضي طارق البيطار!...
فالزّمن الانتخابيّ عندنا يفرض خُطوطه الحمراء، تمامًا كما يرفع حَكَم مُباريات كُرة القدم، بطاقته الحمراء، في وَجه اللاعبين، حين يرتكبون مُخالقاتٍ لا تُعتَفر!...
ولذا، فلا أَحد يتحمّل مسؤوليّة "التخبُّط والكيديّة والشّخصانيّة وأَزمة الثّقة" في الزّمن الانتخابيّ الأَغرّ، بعدما باتت كُلّها، تُحاصر دُفعةً واحدةً مجلسَي الوزراء والنُوّاب!...
ولكنّ العودة الثّنائيّة إلى كَنَف المجلس النّيابيّ، لا تعني بالضّرورة ضخّ الحياة الزّهريّة في عُروق الحُكومة الميقاتيّة، وتاليًا لا تعني أَيضًا إِنزال الحُلول للمُعْضِلات المُستفحِلة والمُزمِنة... كما يُنزَل المنّ والسّلوى على المُؤمنين!... وفي هذا الإِطار فعلى ذمّة وزيرٍ في «الثّنائيّ»: لا حُلول حُكوميّة... وثمّة رفضٌ لإِملاءات صُندوق النّقد"!...
وانطلاقًا من مُعطيات الوزير فإِنّ العَوْدة الثُّنائيّة، لا تعني بالضّرورة تكريس الاتّفاق مع "صُندوق النّقد الدّوليّ"، بقدر ما قد تعني عكس ذلك تمامًا، إِذ قد تكون العَوْدة هدفت إِلى أَمرَيْن اثنَيْن هُما: التملُّص مِن التّبعات الاقتصاديّة والمعيشيّة والماليّة للمُقاطعة الشّيعيّة، بخاصّةٍ وأَنّ تلك العَوْدة لا تفرض على الثّنائيّ الرُّضوخ لـ"أَوامر" صندوق النّقد وأَهوائه... مهما كان الثّمن!.
فكيف بالحَري إِذا ما تمّ الأَخذ في الاعتبار، أَنّ الاتّفاق مع صُندوق النّقد، إِنّما هُو رهنٌ بتنفيذ التَّوْصيات أَوّلًا، وقبل أَيّ مُوافقةٍ مُبرمَةٍ لمجلس الوزراء.
وعملًا بحسابات الثّنائيّ الدّقيقة، الّتي تنطبق حُكمًا على البَيْدر السّياسيّ، فقد قيل في هذا الشّأن، إِنّ عَوْدة الثُّنائيّ تُصحّح المُقاطعة بحصرها بالتّعيينات حتّى حسم أَمر القاضي بيطار... بَيد أَنّ البدعة الجديدة للثُّنائيّ فرضت في الواقع مُعادلة: الحُكومة المُقنّنة والقضاء المبتور!...
كما وسمحت تلك العَوْدة المُقنّنة، للُبنانيّ المُثقل بالأَعباء، والرّازح تحت نير العَوَز المُتمادي، وأَثقال الضّائقات المُتعدّدة الأَلوان والأَشكال والأَهواء... بدُخُول "الجنّة الدّولاريّة" المُحدّدة الأَجَل، والقصيرة العُمر، لتكتمل إذّاك "تنفيسته"، بعدما طال أَمد مُكوث المسكين في "بريستو" المطبخ الإِقليميّ، على نارٍ يُوقدها آلاف الشّياطين مِن كُلّ عرقٍ ولون وبشرة وحدبٍ وصوبٍ!...
ويبقى السّؤال: علام يُراهن "الثُّنائيّ الشّيعي" عشيّة الانتخابات النّيابيّة المُرتَقَبة؟ وإِلى أَين يُؤخَذ بواسطتهم النّاخبون كما والوطن أَيضًا؟... إِنّها أَسئلةٌ برسم النّاخبين إِذا ما حصلت الانتخابات... وأَمّا إِذا لم تحصل –لا سمح الله- فلا شيء يشفع بالشّعب المسكين، مِن جَلّاديه الكَفَرة؟.
لقد بات اللُبنانيُّون الآن، بَين فكَّي الشُّروط الدّوليّة المُتنامية... والكيديّة الدّاخليّة اللامُتناهية... وإِلى أَن يحين الفرج، لا وِزْرَ لهُم ولا قوّة ولا حَول!.