في الأشهر الماضية، طغى على الأوساط السياسية صراع حول مفهوم الأكثرية النيابية، التي من المفترض أن تنتج عن الانتخابات المقررة في 15 أيار المقبل، حيث هناك من القوى المعارضة لـ"حزب الله" من يصرّ على ضرورة تشكيل حكومة من لون واحد، بينما يتمسك الحزب بالمكتسبات التي حصل عليها بعد اتفاق الدوحة في العام 2008، أي الديمقراطيّة التوافقيّة التي تعطيه حقّ النقض في السلطة التنفيذية.
وسط هذه الأجواء، ارتفعت وتيرة الصراع على الأكثريّة النّيابية داخل التحالفات المتناقضة، فبين أعضاء الاكثريّة الحاليّة، لا سيما "التيار الوطني الحر"، من ينفي وجودها في الأصل، نظراً إلى الخلافات التي تعتري علاقاته مع معظم أركان قوى الثامن آذار، خصوصاً "حركة أمل" و"تيار المردة"، بينما على مستوى قوى الرابع عشر من آذار سابقاً لا يمكن الحديث عن أكثريّة صلبة، حتى ولو عادت إلى الفوز في الانتخابات المقبلة، بسبب المحاذير التي لدى كل من "تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" من خيار الذهاب إلى تحدّي المكون الشيعي.
في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ أقصى ما يمكن الرهان عليه، في التغيير الذي ينتظره البعض، لا يمكن أن يصل إلى الحد الذي يقلب موازين القوى بشكل نهائي، نظراً إلى أنّ التيارات والأحزاب السياسية لم تشهد تراجعاً دراماتيكياً على مستوى حضورها الشعبي، وبالتالي لا يمكن توقع بروز أكثريّة جديدة من خارج الانقسام التقليدي بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار.
من وجهة نظر هذه المصادر، هذا الواقع من المفترض أن يتأكد بعد أن يحسم تيار "المستقبل" خياره في الاستحقاق المقبل، نظراً إلى أنّ مشاركته في الانتخابات من قد تحدّ من امكانيّة التغيير على الساحة السنية، التي تعيش حالة من الفوضى بسبب عدم وضوح موقف التيار من هذا الاستحقاق حتى الآن، وبالتالي ستعيد تكريس زعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، حتى ولو شهد عدد أعضاء كتلته النّيابية تراجعاً إضافياً.
بناء على ما تقدم، يصبح من المنطقي السؤال عن التداعيات التي من الممكن أن تترتب عن ذلك الواقع، لا سيما على مستوى تشكيل الحكومة التي ستتألف بعد الاستحقاق الانتخابي، خصوصاً أنها ستواكب الانتخابات الرئاسيّة المقبلة بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون.
بالنسبة إلى المصادر المطّلعة نفسها، هذا الواقع يؤكّد من جديد أن البلاد بحاجة إلى تسوية جديدة، للانطلاق نحو معالجة مختلف الملفّات، لا سيّما الماليّة والاقتصاديّة منها، بسبب عدم قدرة أيّ فريق على الذهاب نحو خيارات تكسر الفريق الآخر، وتشير إلى أنّ هذه التسوية، فيما لو ولدت قبل أشهر، كان من الممكن أن تجنب البلاد الكثير من الخسائر، بينما كل الخطابات الأخرى تأتي في سياق شدّ العصب الانتخابي الذي يحتاج له الجميع في هذه المرحلة.
في قراءة هذه المصادر، الظروف الاقليميّة والدوليّة هي التي لا تزال تمنع الوصول إلى هذه التسوية، الأمر الذي من الممكن أن يتكرر بعد الانتهاء من الاستحقاق الانتخابي، وبالتالي تمديد الأزمة إلى حين تبدّل هذه الظروف، الأمر الذي يفتح الباب أمام الوصول إلى هذه التسوية، خصوصاً أنّ المنطقة، في الفترة الفاصلة عن موعد الاستحقاق الانتخابي، تشهد الكثير من التطورات على مستوى المسارات التفاوضية.
في المحصّلة، ليس هناك ما يمكن الرهان عليه على مستوى الانتخابات النّيابية، في سياق تبدّل المشهد السياسي، إلا أنّ الكثير من الأسئلة تطرح حول امكانيّة الوصول إلى تفاهمات مسبقة، ولو بالحد الأدنى، تعيد ترتيب المشهد ضمن التوازنات نفسها، بشكل يمنع تعرّض الاستحقاق الانتخابي إلى أيّ انتكاسة، في حال عدم الانتهاء من المسارات التفاوضية الاقليمية قبل موعدها المقرر.