زادت خُطوة عُزوف رئيس "المُستقبل" سعد الحريري، وتيّاره، عن المُشاركة في الإنتخابات، من الشُكوك الكثيرة بإحتمال تأجيل الإنتخابات. لكن في حال نجحت الضُغوط الخارجيّة في تأمين تنظيم هذه الإنتخابات في موعدها المُقرّر في أيّار المُقبل، فإنّ تغييرًا كبيرًا سيطال التمثيل العام في الشارع السنّي، وتغييرًا لا يقلّ أهميّة سيطال التوازنات السياسيّة داخل لبنان. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:
أوّلاً: من غير الوارد أن يخوض نوّاب "تيّار المُستقبل" معركة شاملة في كل لبنان، من خارج عباءة "التيّار الأزرق"، خاصة وأنّ الكثيرين منهم يتجه إلى عدم خوض الإنتخابات بعد قرار الحريري السلبي، ولأنّ لا هيكليّة سياسيّة أو قيادة هرميّة تُحدّد طبيعة تشكيل اللوائح والشخصيّات التي ستتضمّنها، وأسلوب توزيع الأصوات التفضيليّة على الأعضاء المُتنافسين فيها، إلخ.
ثانيًا: سيُشارك عدد من نوّاب "المُستقبل" الحاليّين والسابقين في المعركة الإنتخابيّة في أيّار، وفق تحالفات جديدة، وضُمن لوائح لا تحظى بغطاء الحريري السياسي. وهؤلاء سيُشاركون بصفة شخصيّة، وبمعركة بأبعاد مناطقيّة أكثر منه سياسيّة، ما لم تحصل تطوّرات تُعيد خلط الأوراق، منها مثلاً قيام دعوات لتنسيق المرشّحين السنّة ضمن لوائح سياسيّة تكون إمتدادًا للوائح "المُستقبل"، لكن تحت عناوين وأسماء جديدة. لكنّ هذا الأمر يَستوجب تقدّم شخصيّات قياديّة خُطوة إلى الأمام، ويتطلّب تنسيق المواقف منعًا لحُصول ترشيحات بالجملة على نفس المقاعد، والأهم يتطلّب عدم قيام الحريري بإصدار مواقف ترفع الغطاء مُستقبلاً عن هذه اللوائح وتحثّ المُناصرين على عدم التصويت لصالحها.
ثالثًا: ستُحاول قوى حزبيّة لبنانيّة عدّة، إستمالة بعض المُرشّحين الأقوياء مِمّن كانوا محسوبين على "المُستقبل"، لضمّهم إلى تحالفات إنتخابيّة وسياسيّة. ومن الضروري الإشارة إلى أنّ حزب "القوات" يعمل حاليًا على دراسة خيارات التعاون مع قيادات "سيادية" عدّة، منها تحظى بقواعد شعبيّة سنية واسعة. ولم تتبلور بعد الرؤية النهائيّة بالنسبة إلى طبيعة هذا التعاون المُرتقب، لا سيّما إذا ما سيكون مناطقيًا ومحدودًا أم شاملاً ويُغطّي كامل الأراضي اللبنانيّة تحت شعارات وعناوين سياسيّة.
رابعًا: ستُحاول قوى سياسيّة إقليميّة مُختلفة، مثل قطر وتركيا على وجه الخُصوص، تعزيز نُفوذها في لبنان عبر مدّ بعض المرشّحين بالتمويل والدعم اللوجستي، على غرار ما كانت تفعله مصر مثلاً في مراحل إنتخابيّة سابقة في تاريخ لبنان الحديث.
خامسًا: ستُحاول شخصيّات مناطقيّة عدة، مثل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والنائب فيصل كرامي في طرابلس، والنائب فؤاد مخزومي في بيروت، والنائب أسامة سعد في صيدا، إلخ. توسيع أحجامهم المناطقيّة، عبر السعي لقضم جزء من حصّة "التيّار الأزرق" المُشتّت. من جهة أخرى، ستتشجّع قوى وشخصيّات كانت تدور في فلك الإحتلال السوري في تسعينات القرن الماضي وفي مطلع الألفيّة الحاليّة، على خوض الإنتخابات، مُعتقدة أنّ لديها فرصًا أكبر بالفوز، نتيجة تراجع نُفوذ خُصومها الأساسيّين.
سادسًا: سيسعى "حزب الله" إلى زيادة النوّاب السنّة الذين يدورون في فلكه. وكما تمكّن "الحزب"-عبر قانون الإنتخابات النسبي، من تأمين الأرضيّة المُناسبة لعدد لا بأس به من الشخصيّات المُؤيّدة لمحور "المُمانعة" الذين عادوا إلى المجلس النيابي في إنتخابات العام 2018، سيعمل "حزب الله" على زيادة دعمه للمرشّحين الذين يؤمّنون الغطاء السياسي والمَعنوي له، من ضُمن الطائفة السنيّة في إنتخابات العام 2022.
سابعًا: ستكون الفرصة مُؤاتية أيضًا لأن تُثبت القوى الإسلاميّة المُلتزمة، مثل "الجماعة الإسلاميّة"، وحتى بعض القوى الإسلاميّة المُتشدّدة أكثر، حُضورها ضُمن البيئة السنيّة، علمًا أنّ حجمها في ظلّ "تيّار المُستقبل" كان محدودًا، ولا يُعرف ما إذا كان غياب "المُستقبل" سيُؤدّي إلى رفع حصّة "التيّارات الإسلاميّة" الأصوليّة بشكل عام.
ثامنًا: ستكون الفرصة مُؤاتية لجماعات "المُعارضة" و"الثورة" لإثبات وجودها بشكل كبير ضمن المناطق السنيّة الطابع – إذا جاز التعبير، بموازاة سعيها لإثبات وجودها في كل المناطق. لكن كلّما كانت البيئة التي تُخاض فيها الإنتخابات مُشتّتة ومَقسومة، فإنّ فرصة الخرق تُصبح أعلى، وهذا ما سينطبق على البيئة السنيّة، في حال فشل أيّ جهة مركزيّة في تعبئة الفراغ الكبير الذي سيتركه عزوف تيّار "المُستقبل" عن المُشاركة في الإنتخابات.
في الختام، في حال جرت الإنتخابات النيابيّة في موعدها المُرتقب في أيّار، فإنّ تغييرات كبرى ستحصل على صعيد التمثيل السنّي، وعلى صعيد التوازنات السياسيّة اللبنانيّة عُمومًا. لكن لا يُمكن قراءة الخريطة الإنتخابيّة قبل تحديد اللوائح والتحالفات بصورتها النهائيّة، وللبحث تتمّة...