في خضم التطورات والاحداث المتسارعة التي تبقي اللبنانيين متيقظين ومتعطشين للحصول على خبر يتعلق بالوضع الاقتصادي والمالي والمعيشي والصحي، برز تطور مرّ مرور الكرام لدى الكثيرين، وهو ابلاغ وزير الداخلية بسام مولوي مجلس الوزراء اللبناني ان القوى الامنية كشفت 17 شبكة تجسس "لمصلحة العدو الإسرائيلي وتبين أن دور هذه الشبكات محلي وإقليمي". هذا الخبر لم يحظَ بحقه في وسائل الاعلام، وعلى ما يبدو داخل مجلس الوزراء نفسه، ولكن هذا لا يعني ان اهميته باتت اقل او خطورته اصبحت اخف.
في الواقع، من المتعارف عليه انه عندما تسوء الاوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية، كما هو الحال في لبنان، فإن الخطورة الامنية تفرض نفسها بقوة لسببين اساسيين: الاول ان القوى الامنية لم يعد بمقدور عناصرها الاستمرار في القيام بالمهام الموكلة اليها على نطاق واسع بسبب الازمة وتضاؤل القدرة الشرائية للعسكريين وقلقهم الدائم على مصيرهم ومصير عائلاتهم الذي تحوّل الى اولوية بالنسبة اليهم، وهو ما يعمل عليه المسؤولون الامنيون لايجاد حلول موقتة بانتظار الحل الدائم المرتجى، ومناشدة الدول الصديقة والشقيقة لمدّ يد المساعدة في هذا المجال، علماً ان الحفاظ على المظلة الامنية هو مطلب دولي ويجب على دول العالم ان تساعد في هذا السياق لان الاداة التنفيذية هي الجيش والقوى الامنية، والا فإن الوضع سيتغيّر بطبيعة الحال.
اما السبب الثاني فهو ان شبكات التجسس التي تعمل لصالح اسرائيل، لا تزال ناشطة وفاعلة، وبالتالي فإن الحرب الباردة بين اسرائيل وحزب الله قائمة ومنتشرة، وهي غالباً ما تكون ممهدة لضربات او مواجهات عسكرية محدودة طبعاً. ولكن الاخطر انه في مقابل نشاط هذه الشبكات، هناك شبكات اخرى بعيدة عن التجسّس واقرب الى الزعزعة الامنيّة والارهابيّة، كما انه في ظل الظروف الحالية، يصبح "تجنيد" العملاء ارضاً خصبة، فيتم اصطياد الشباب المحتاج واغرائهم بالمال للقيام بعمليات وجمع معلومات محددة بانتظار ساعة الصفر.
ازاء هذا الواقع، لا بدّ من السؤال عما اذا كان الاستقرار الامني في لبنان مهدداً، وهو الذي كان وحده يغرد خارج سرب الخطر الاقتصادي والمالي والسياسي والصحي والحياتي... مصادر سياسية مواكبة اوضحت ان الاتصالات قائمة بين المسؤولين الامنيين وبقيّة دول العالم لمعالجة هذا الوضع، وتأكيد بقاء المظلة الامنية فاعلة من خلال تعزيز وضع القوى الامنية، لافتة الى المساعدات التي لم تتوقف على كافة الصعد بالنسبة الى هذه القوى، وان الاميركيين بشكل خاص يتحركون على هذا الصعيد ويحثون الدول الاخرى وبالاخص منها الخليجيّة على تقديم ما يمكن من دعم لوجستي ومالي لمنع الانفلات الامني من ان يسود في لبنان. وتؤكد المصادر نفسها في هذا السياق، ان الكشف عن شبكات التجسس، واحباط بعض عمليات التهريب، اضافة الى استمرار الاستقرار الامني وثباته حتى الساعة، كلها مؤشرات الى ان الخارج لا يرغب في تغيير الستاتيكو الامني والعسكري في لبنان، وبالتالي من المستبعد الوصول الى تدهور امني في المدى المنظور، او مواجهات عسكرية مع اسرائيل على الحدود، معتبرة ان هذه الشبكات غالباً ما كان يتم اكتشاف بعضها من دون ان يتسبب ذلك في اندلاع مواجهات او حصول تغيير جذري على الصعيد الامني والعسكري، وهو ما ينطبق في هذه الحالة ايضاً.
وبالتالي، ليس هناك من مؤشرات تفيد بأن الخطر الامني سيعود الى لبنان خلال الفترة المقبلة، ما لم تحصل تطورات خارجية دراماتيكية تقلب بشكل جذري الخطة الدولية في هذا المجال، وهو امر من الصعب حصوله حالياً لان الخريطة قد وضعت ويبقى الخلاف على موعد تنفيذها.