لقد صار شبهَ أكيدٍ أنّ قرار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بالعزوف مع "تيّاره" عن المُشاركة في الإنتخابات، لا رجوع فيه. وصار شبهَ محسومٍ أيضًا أنّ رجل الأعمال بهاء رفيق الحريري سيخوض الإنتخابات المُقبلة، بلوائح كاملة في مُختلف المناطق. فما هي قُدرة هذه اللوائح على تحقيق الفوز، وخُصوصًا على تعبئة الفراغ الذي سينجم من إحجام "تيّار المُستقبل" عن خوض المعركة الإنتخابيّة؟.
بداية، لا بُدّ من التذكير أنّه في إنتخابات العام 2018، بلغت نسبة اقتراع الناخبين من الطائفة السنّية 46 % فقط، المارونيّة (48,8%)، الدُرزيّة (50,4 %) والشيعيّة (52,3%). ومن المُتوقّع أن تكون نسبة التصويت السنيّة في الإنتخابات المُقبلة ضعيفة أكثر، بسبب تضعضع أنصار ومؤيّدي "تيّار المُستقبل"، وغياب الرؤية السياسيّة الواضحة، والنقمة الشعبيّة على الأوضاع العامة، وكثرة الإنقسامات بين مؤيّدين لجماعات "المُعارضة" و"الثورة"، ومُتمسّكين بنوّاب مناطقيّين من إنتماءات سياسيّة مُتناقضة، وساعين إلى تغيير جذري على مُستوى القيادة السنيّة، وأنصار ومؤيّدين تقليديّين لقوى تدور في فلك محور "المُمانعة"، إلخ. وتعمل حاليًا حركة "سوا للبنان" التي كثّفت أنشطتها السياسيّة والإجتماعيّةوواصلت فتح مكاتبها التمثيليّة في مُختلف المناطق اللبنانيّة(1)، على التسويق لمشروع بهاء الحريري السياسي، عبر حملات إعلاميّة وإعلانيّة، طارحة عناوين سياسيّة وإقتصاديّة وإجتماعيّة وإنمائيّة،(2) إلخ.
وعلى الرغم من أنّ الكثيرين يعتبرون خُطاب بهاء الحريري السياسي عالي السقف، خاصة بوجه "حزب الله"، الأمر الذي سيُدخل لبنان في مزيد من المشاكل الداخليّة في حال فوز لوائح "سوا للبنان"، يُقلّل آخرون من هذا الإحتمال، ويعتبرون أنّ الخُطاب الحالي الذي يتّسم بالحديّة والتطرّف، هو لضرورات إنتخابيّة بحت، وتحديدًا لشدّ العصب الشعبي، وسُرعان ما "سيتعقلن" بمجرّد صُدور نتائج الإنتخابات. واللافت أنّ طموح بهاء السياسي لا يقتصر على وراثة ما يُسمّى بالحريريّة السياسيّة ضُمن البيئة السنيّة، بل يتجاوز ذلك لمُحاولة تأسيس حركة سياسيّة عابرة للطوائف، وبالتالي الفوز بمقاعد نيابيّة من طوائف مُختلفة. وفي هذا السياق، تعمل حركة "سوا للبنان"-على سبيل المثال لا الحصر، على تشكيل لائحة في دائرة "كسروان-جبيل" حيث لا وُجود يُذكر للناخب السنّي. والمُفارقة أنّ بهاء يعتمد خُطابًا مُعارضًا لكل القوى السياسيّة، في مُحاولة لإستمالة الجماعات والقوى التي تُصنّف نفسها مُعارضة" و"ثوريّة" لكلّ "المَنظومة"، بما فيها الأحزاب التي خرجت منها وتموضعت في موقع مُعارض، مثل حزب "القوّات اللبنانيّة". وبالتالي، حتى هذه اللحظة، يبدو أنّ بهاء لا يريد وراثة أيّ تحالفات سابقة كان قد نسجها "تيّار المُستقبل" في الماضي، وهو يُراهن على النجاحبإنطلاقة جديدة يسعى فيها إلى إستمالة الناس الناقمين على الجميعوعلى كل شيء. لكنّ العوائق ليست قليلة على الإطلاق، وأبرزها:
أوّلاً: إنّ مُحاولة بهاء الحريري تمييز نفسه عن الطبقة السياسيّة كلّها، ليست مَضمونة النتائج، لأنّ الكثيرين يعتبرون أنّه جزء منها بمجرّد سعيه لوراثة ما يُسمّى "الحريريّة السياسيّة" التي هي عبارة عن مسار سياسي وإقتصادي كامل إستمرّ على مدى عُقود، ولا يُختصر بشخص سعد الحريري أو سواه.
ثانيًا: إنّ الخُطاب السياسي المُتشدّد ضُدّ "حزب الله" ليس مضمون النتائج أيضًا، حتى ضُمن البيئة السنيّة، وقد سبق وإعتمده اللواء المُتقاعد أشرف ريفيخلال إنتخابات العام 2018، من دون أن يُحقّق نتائج مُوفّقة آنذاك(3).
ثالثًا: إنّ الكثيرين يأخذون على بهاء غيابه عن المشهد اللبناني منذ أكثر من 15 عامًا، حيث لم يُتابع تفاصيله وخباياه، ثم جاء منذ مدّة قصيرة مُحاولاً تعويض كلّ ذلك، عبر بعض المُساعدات العينيّة التي باتت مُستفّزة لكثير من الناس الرافضين لشراء أصواتهم عشيّة الإنتخابات.
رابعًا: إنّ "تيّار المُستقبل" كان نال في إنتخابات العام 2018 ما مجموع 256092 صوتًا تفضيليًا لمرشّحين على لوائحه، أكانوا حزبيّين أم غير حزبيّين، وإن الذين فازوا بالنيابة أو الذين خسروا المعركة الإنتخابيّة. وبالتالي، هذه الأصوات ستتشتّت في الإنتخابات المُقبلة، بين من سيُقاطعها بالمُطلق، ومن سيُصوّت لصالح نوّاب مناطقيّين ونوّاب خدمات-إذا جاز التعبير، ومن سيُصوّت للوائح مُعارضة لكل القوى والشخصيّات السياسيّة بما فيها اللوائح التي سيُشكّلها بهاء.
خامسًا: لم تقل المملكة العربيّة السُعوديّة كلمتها النهائيّة بعد بالنسبة إلى الإنتخابات النيابيّة في لبنان، علمًا أنّ لرأيهاالتأثير المهمّ لدى العديد من الناخبين السُنّة.
في الخُلاصة، الأكيد أنّ بهاء لن يكون قادرًا على وراثة سعد بمجرّد خوض الإنتخابات بدلاً منه! وحجم الكتلة النيابيّة التي سيفوز بها عبر مُرشّحي لوائح "سوا للبنان" غير واضح على الإطلاق حتى الساعة، في إنتظار تبلور الصُورة النهائيّة للتحالفات وللتموضعات وللوائح نفسها. لكن كتقدير أوّلي، إنّ الكتلة السنّية التي كانت مؤيّدة لتيّار "المُستقبل" ستتشتّت بشكل كبير في الإنتخابات، وأصواتها ستذهب يمينًا ويسارًا، لصالح قوى وشخصيّات عدّة، أحدها رجل الأعمال بهاء الحريري، من دون أن يتمكّن الأخير من الفوز بموقع قيادي يُخوّله الحديث بإسم الطائفة السنيّة كلّها، كما كان يفعل سعد الحريري، وكما كان يفعل رفيق الحريري من قبله. وبالتالي، إنّ طموح بهاء بالوصول إلى منصب رئاسة الحُكومة ليس مَكفولاً على الإطلاق، ويتطلّب الفوز بكتلة نيابيّة كبيرة، وحتى الساعة لا بوادر بحُصول هذا الأمر، وبعض الإحصاءات الأوّليّة يُعطي بهاء كتلة نيابيّة لا يتجاوز عددها أصابع اليد!.
(1) من عكار إلى صيدا، مُرورًا بطرابلس وبيروت وحتى كسروان، وغيرها من المناطق.
(2) تتضمّن هذ العناوين مشاريع لخلق فرص عمل وأخرى لمُعالجة الكهرباء وتوفير الخدمات الصحيّة، إلخ. إلى جانب مشاريع لتعزيز سُلطة الدولة وحصر السلاح بيدها، إلخ.
(3) فشلت لائحة "لبنان السيادة" في الوُصول إلى "الحاصل الإنتخابي" حيث حصدت 9656 صوتًا، علمًا أنّ الحاصل الأوّل بلغ 13,311 والحاصل النهائي بلغ 11,187 صوتًا. ونال اللواء ريفي شخصيًا 5931 صوتًا تفضيليًا.