لولا التحركات الأسبوعية التي ينظمها أهالي ضحايا وجرحى إنفجار مرفأ بيروت لنسي الرأي العام اللبناني هذه الكارثة التي سقط ضحيتها أكثر من 200 وجُرح فيها حوالي 6000، كما شُرّد فيها عشرات الآلاف.
نعم لولا هذه التحركات، لنسي الشعب اللبناني هذه الكارثة–الزلزال، لأن التحقيق العدلي مشلول منذ أكثر من شهر ونصف الشهر، على رغم إنهاء المحقق العدلي القاضي طارق البيطار فترة حجره بعد إصابته وعائلته بفيروس كورونا. أما سبب الشلل، فسياسي بإمتياز ومرتبط بثلاث عقبات قضائية.
أولى هذه العقبات، وأصعبها، هو فقدان الهيئة العامة لمحكمة التمييز نصابها المطلوب لإتخاذ القرار بأي دعوى (تحتاج الى 5 أعضاء لإتخاذ القرار) وذلك بسبب تقاعد القاضي روكز رزق، ما جعلها غير قادرة على عقد أي جلسة بأربعة أعضاء فقط من عشرة، علماً ان مجلس القضاء الأعلى برئاسة القاضي سهيل عبود يحاول تمرير تعيينات قضائية تقضي بتثبيت القضاة الذين يشغلون رئاسة غرف التمييز بالتكليف كي يصبحون بالأصالة، عندها تستعيد الهيئة العامة نصابها، ويصبح بإمكانها أن تبت بدعوى مخاصمة الدولة عن أفعال ارتكبها القاضي البيطار، التي قدمها الوزير السابق يوسف فنيانوس الى الهيئة العامة لمحكمة التمييز.
ولكن إذا كان عدم البت بدعوى فنيانوس يمنع المحقق العدلي من إصدار قراره الظني ما دام هناك دعوى عالقة في الملف، فما يعرقل التحقيق اليوم، وقبل وصول البيطار الى مرحلة إصدار القرار الظني هو القضاء نفسه الذي لم يبت ولأسباب غير معروفة ومفهومة دعويي رد قدمهما الوزيران السابقان علي حسن خليل وغازي زعيتر، وهنا تكمن العقبتان الثانية والثالثة.
فالعقبة الثانية تتمثل بدعوى الرد التي قدمها زعيتر وحسن خليل بحق القاضي البيطار في 23 كانون الأول 2021، والتي حولها القاضي سهيل عبود الى الغرفة الأولى في محكمة التمييز برئاسة القاضي ناجي عيد. دعوى الرد هذه لم يبت بها القاضي عيد ولأسباب غير مفهومة وغير مقبولة مهما كانت، الأمر الذي كفّ يد القاضي البيطار عن التحقيق ومن دون أن نعرف متى ستنتهي مهلة الكف هذه.
أما العقبة الثالثة، فظهرت عندما لجأ الوزيران السابقان حسن خليل وزعيتر بدعوى رد القاضي عيد والتي حولها القاضي عبود الى غرفة محكمة التمييز التي ترأسها القاضية رولا المصري. غرفة القاضية المصري أيضاً وأيضاً ولأسباب غير معروفة تطرح حولها ألف علامة إستفهام، لم تبت دعوى رد القاضي عيد، الأمر الذي عرقل التحقيق أكثر فأكثر.
ما نحن امامه اليوم هو المشهد التالي: القاضي عيد لم يعد بإمكانه البت بدعوى رد البيطار بسبب وجود دعوى رد بحقه. القاضية رولا المصري لم تبت دعوى رد القاضي عيد الأمر الذي يُبقي التحقيق مشلولاً. والهيئة العامة لمحكمة التمييز مشلولة أيضاً بفعل فقدانها النصاب.
إذاً ليس السياسيون وحدهم الذين يتحملون مسؤولية عرقلة تحقيقات المرفأ. فالقضاء مسؤول أيضاً والدليل القاطع يمثله آداء القاضي عيد والقاضية المصري.