لفت وزير التّربية والتّعليم العالي عباس الحلبي، خلال "اللّقاء التّشاوري الوطني لإنقاذ وتعافي قطاع التربية والتعليم العالي في لبنان"، الّذي تنظّمه وزارة التربية والتعليم العالي في السراي الحكومي، إلى أنّ "القلق على الوضع التّربوي جراء الانهيارات المجتمعيّة المتتالية والأزمات، دفعنا إلى تنظيم هذا اللّقاء التّشاوري، الّذي نخصّصه لبحث سبل إنقاذ قطاع التعليم في لبنان".
وبيّن أنّ "البحث في المشكلات التربويّة وقضايا التّعليم بما يتضمّنه من ملفات، وطرح مسألة التّربية كلّها على بساط البحث في مرحلة مفصليّة، لا يعني أنّ نتائجه ستترجم نهوضًا تربويًّا شاملًا، لكنّه يمكن أن يحدّد مسارًا أو خريطة طريق للعمل على إنقاذ القطاع بروح جماعيّة من التّعاون وتوفير الإمكانات، إلى أن نتمكّن لاحقًا من خوض غمار الإصلاح الّذي يشكّل مسارًا مستقلًّا ومفتوحًا على التّفكير الدّائم بالتّطوير؛ وهو بهذا المعنى يشترط التّقويم المستمر وفق معايير وأهداف تحتاج إلى سنوات وتراكم معطيات وتحقيق إنجازات".
وركّز الحلبي على أنّ "لا شكّ في أنّ الأزمة ضربت كلّ القطاعات التربويّة في البلد، من دون أن تتمكّن الدّولة من التقدّم خطوات لمعالجة شاملة للمشكلات المرتبطة بها"، ورأى أنّ "تراكم الأزمات أدّى إلى ما وصلت إليه أوضاع القطاعات اليوم. فالسّلطات المتعاقبة تتحمّل مسؤوليّةً كبرى بطريقة إدارتها لقضايا التّربية، فيما الوزارة الّتي تواجه المعضلات، لا تستطيع وحدها معالجة الأزمات الّتي تتهدّد القطاع التّربوي برمّته، من دون أن يقرّر مجلس الوزراء تأمين الدّعم واتّخاذ القرارات الّتي تسهم في انتشاله من مأزقه".
وأكّد "أنّني على اقتناع أنّ التّربية هي عمل جماعي وجهد مشترك بين مكوّناتها كلّها، وبين الأستاذ والإداري والموظّف. فالتّعاون هو الأساس لعبور المرحلة الصعبة. ومنذ أن تسلّمت مهامي في التّربية قبل أربعة أشهر، واجهت مشكلات كبرى في القطاع، لكنّي قرّرت التصدّي للوضع المرتبك والفوضى السّائدة، كي لا أجزم أنّ هناك ما يُحاك ضدّ التّربية خصوصًا ضدّ التعليم الرسمي".
وذكر الحلبي "أنّني قد رأيت أنّ من مصلحة التّربية أن نبعد عنها التّأثير السّياسي ونعزلها عن السّياسة، كي لا تبقى تُشكّل حجر عثرة في تطوير القطاع وحلّ مشاكله. وبينما نظرت إلى المشكلات بروح إيجابيّة، إلّا أنّي اكتشفت أنّها أكبر بكثير في بلد يشهد هجرة لنخبه، من أساتذة كفوئين وطلّاب وشباب، وهو ما يفرغ قطاع التّعليم الجامعي وما قبل الجامعي من كفاءاته، ويؤدّي إلى نزيف في العنصر الشّبابي الّذي يحتاجه لبنان ويعكس انعدام ثقة هؤلاء بمستقبل البلد".
وشدّد على أنّ "الأزمة الّتي تعصف بلبنان والّتي ضربت فئات أساسيّة وأفقرتها وعبثت بمكوّناته الاجتماعيّة ورمت طبقته الوسطى إلى خط الفقر، أحدثت انهيارًا في كلّ القطاعات، وشعرنا أنّها وضعت العائلات في موقع عدائي للمؤسّسة التربوية. وقد واجهنا منذ بدء العام الدراسي، مشكلات لا تعدّ ولا تُحصى، لا تقتصر على قطاع واحد بل تطاول كلّ التّعليم الرّسمي والخاص والجامعة اللبنانية والتعليم المهني والتقني والجامعات الخاصة. ممارسات لم يعهدها التّعليم ولا التّربية دخلت على الخط، وأسهمَت في جعل القطاع يعيش أوضاعًا مزريةً".
وأعلن أنّ "التّعليم الرّسمي بات في دائرة الخطر، وليس فقط العام الدراسي الّذي نسعى بكلّ إمكاناتنا لإنقاذه، بعد عودة أساتذة الملاك في التّعليم الثّانوي والأساسي والمهني والتّقني وقسم من المتعاقدين إلى الصفوف، لكنّ المقاطعة لثلاثة أشهر أحدثت فجوةً خطيرةً في التّعليم، كما أنّ التّعليم عن بُعد في خلال العامين الماضيين لم يؤدِّ وظيفته، لا بل أنّه فشل بسبب عدم جهوزيّة القطاع التربوي للتّعليم في أوقات الأزمات، ونظرًا أيضًا لقلّة الإمكانات في تلبية ما يتطلّبه القطاع من أموال لتسيير شؤون المدارس ودعم المعلّمين".
كما أوضح الحلبي "أنّنا عملنا قدر المستطاع لتأمين الحدّ الأدنى للاستمرار من خلال إقرار دعم المعلّمين بالمنحة الاجتماعيّة وبدلات الحضور (النقل) ومبلغ الـ90 دولارًا الشّهري عبرالجهات المانحة . كما حوّلنا إلى صناديق المدارس مبلغ 313 مليار ليرة، لتتمكّن من الإنفاق على المصاريف التشغيليّة، وأمنّا من طريق التّعاون بين المركز التربوي و"اليونيسف"، طبع وتوزيع الكتاب المدرسي الوطني إلى المدارس الرسمية كافّة مجّانًا، والمدارس الخاصة الرّاغبة باستخدام الكتاب الوطني. وتمّ أيضًا تأمين مواد النظافة والتعقيم والكمامات للمدارس، وأنجزنا حملة مناقلات موسّعة بين أفراد الهيئة التّعليميّة لتقصير المسافات بين منازلهم ومدارسهم، كما أجرينا العديد من اللّقاءات مع السّفارات والبعثات الدّبلوماسيّة لتأمين عدد مهمّ من المنح الجامعيّة للطلّاب اللّبنانيّين في الخارج".
وأفاد بأنّ "الأزمة أيضًا طاولت المدرسة الخاصة. المشكلة الأكبر الماليّة والاقتصاديّة انعكست على الأهل والأساتذة، ومشكلة الأقساط الّتي لا يستطيع الأهالي تحمّلها، وفي المقابل لا تتمكّن المدرسة من الاستمرار من دون تمويل. وقد بات التدخل الخارجي أساسيا للخروج من الازمة، بمساعدة الدولة"، لافتًا إلى "أنّنا لم نقف مكتوفي الأيدي، بل سعينا للدعم ولتأمين حقوق كل المكونات في المدرسة الخاصة من معلمين وأهل وإدارات عبر إقرار منحة الـ500 مليار ليرة في مجلس النواب، وهي أسهمت في تغطية الدرجات الست للمعلمين، ثم إقرار البطاقة التربوية التي تجيز للتلميذ أن يختار المدرسة الخاصة كما المدرسة الرسمية". وأكّد "حرصنا على تحصين وضع الأساتذة في القطاع الخاص وشملهم بالرعاية والمساعدات بلا اي تمييز".
وبيّن أنّه "لا بدّ في هذا السياق من التوقف عند الجامعة اللبنانية، جامعة الوطن، التي تضم أكثر من 86 ألف طالب وطالبة. الجامعة التي تواجه الكثير من الصعوبات، من موازنتها إلى وضع اساتذتها وهيكليتها. وقد سعينا بالفعل منذ أن تسلمنا مهماتنا الوزارية، فنجحنا في أن يُعين مجلس الوزراء رئيساً جديداً يتمتع بصفات أكاديمية، ونحن نعمل سوياً على رفع قيمة الجامعة أكاديمياً واستكمال هيئاتها على أسس تقوم على الشفافية والوضوح، وسنطرح ملفاتها على مجلس الوزراء لتعيين العمداء واستكمال مجلس الجامعة، وايضاً ادخال المتفرغين الى الملاك، كما انجاز ملف تفرغ المتعاقدين لأن الجامعة لا يمكن لها الاستمرار من دون انجاز هذا الملف بعد احالة العديد من أساتذتها الى التقاعد".
وكشف في هذا الصدد "أنني أعمل بموازاة ما يسعى إليه رئيس الجامعة من إصلاح، وخطته للتطوير، على اعداد مشاريع تدعم هذه المؤسسة الوطنية، ومنها المشروع الذي سأقدمه إلى مجلس الوزراء لاستعادة صلاحيات رئاسة الجامعة ومجلسها لتدير نفسها بنفسها وفق حاجاتها، مع الملاحق التي تسهم في تعزيز ريادتها الاكاديمية وترسيخ موقعها في التعليم العالي كجامعة أكاديمية للبحث العلمي".
إلى ذلك، شرح الحلبي أنّ "رؤيتنا للتربية تستهدف النهوض بالقطاع على قاعدة واضحة، وعلى رسم مستقبل لبنان التربوي. فعلى الرغم من كل الازمات وما يحيط بنا، سعينا للحفاظ على السنة الدراسية، ونحن نشكر الجهات المانحة التي أسهمت في دعمنا وتوفير ما أمكن من مساعدات لنا. ونشدد في هذا السياق على برنامج الخطة الخمسية للتربية، وهو يقوم على ثلاث ركائز: حق الولد في التعليم، حقه بنوعية جيدة للعلم، والإدارة الرشيدة للتربية والحوكمة".
وأعلن "أنّنا نعمل أيضاً على تطوير المناهج التربوية حيث لا تزال ورشتها قائمة، ونعوّل على مواكبة التحديث في التربية بكل شفافية، ووضع طرائق تعليم جديدة في كل مراحل التعليم. فالخطة الخمسية تلحظ تطوير المناهج والتحول الرقمي، وهنا نحرص على تطوير المركز التربوي للبحوث والإنماء وتفعيل عمله كعقل للتربية وبناء قدرات أفراد الهيئة التعليمية، لمواكبة التطور التربوي واستخدام التكنولوجيا. وسيكون لموضوع تطوير المناهج والبحوث التربوية والتدريب جلسة خاصة في المحطة الثانية من هذا اللقاء التشاوري في السادس عشر من الشهر الحالي".