على الرغم من أن "التيار الوطني الحر" يعتبر أحد مهندسي قانون الانتخابات الحالي، إلا أن ظروف المعركة على أساسه في الدورة المقبلة تختلف عن الدورة الماضية، نظراً إلى أن الصورة تبدلت بشكل شبه كامل.
في العام 2018، كان "الوطني الحر" يخوض المعركة على أساس عنوان: "العهد القوي"، نظراً إلى أن مؤسسه ميشال عون كان في النصف الأول من ولايته، وبالتالي كان هناك مروحة واسعة من القوى والشخصيات الراغبة في التحالف معه، بينما اليوم يخوضها على أبواب نهاية العهد، من دون تجاهل واقع الأزمة المالية والاقتصادية التي سعى الكثيرون إلى تحميله المسؤولية عنها.
في الدورة الماضية، كان التيار من أبرز القوى التي سعت إلى الإستفادة من واقع القانون الانتخابي، حيث أبرم مجموعة من التحالفات المتناقضة، التعبير الأفضل عنها هو الواقع الذي كان قائماً في العاصمة بيروت. في بيروت الأولى كان يتحالف، بالإضافة إلى حزب "الطاشناق"، مع تيار "المستقبل"، بينما في الثانية كان يخوض مواجهة مع "المستقبل"، بالتحالف مع قوى الثامن من آذار، من دون تجاهل ما حصل على مستوى معاركه في بعض الدوائر ضد "حركة أمل"، بينما التحالف معها كان طاغياً حيث يصب ذلك في صالحه.
قبل ما يقارب 3 أشهر من موعد الاستحقاق الانتخابي، لا تزال الصورة غامضة عند التيار في معظم الدوائر، بالرغم من التوجه الذي بات شبه محسوم نحو التحالف مع "حزب الله" و"حركة أمل" في العديد من الدوائر. في المقابل هذا لا يلغي أنه يواجه معضلة أساسية على مستوى التحالفات في دوائر أخرى، خصوصاً أنه قد لا يكون قادراً على تكرار ما فعله في الدورة الماضية، لناحية ضم شخصيات ترفع من عدد الحواصل التي تحصل عليها لوائحه بينما يفوز هو في المقاعد، كما حصل في دائرة المتن، على سبيل المثال، مع المرشح سركيس سركيس، فالجميع بات يدرك لعبة قانون الانتخاب الحالي ويخوض معركته على أساسه.
إنطلاقاً من ذلك، سوف نتحدّث عن واقع التيار الحالي في العديد من الدوائر، من أجل التطرق إلى معضلة التحالفات المذكورة في الأعلى بشكل أوضح، بالإضافة إلى بعض الخلافات الداخلية التي قد تؤثر على المعركة، التي من المفترض أنها تخاض على أساس الحد من الخسائر إلى الحدود الدنيا.
دوائر الشمال وبيروت
في الشمال، من الممكن الحديث عن معركتين أساسيتين: الأولى في دائرة عكار، حيث كان التيار يضم في كتلته نائبين: الأول يمثل "الوطني الحر" هو أسعد درغام أما الثاني فهو الحليف مصطفى حسين. حتى الآن، لا يزال يستطيع أن يضمن الفوز بحاصل إنتخابي واحد، لكن هذا لا يلغي وجود معضلة لديه حول الشخصيات التي من الممكن أن يتحالف معها في الشارع السني، خصوصاً في ظلّ التحريض عليه في هذه الساحة.
أما في دائرة الكورة-البترون-بشري-زغرتا، فعلى الرغم من كل الحملات التي تطال مرشحه الأساسي، أي رئيسه جبران باسيل، لا يزال التيار قادراً على ضمن الفوز بمقعد باسيل. لكن المعضلة تكمن في بناء التحالفات في هذه الدائرة، التي يخسر فيها، بالإضافة إلى أصوات "المستقبل" التي صبت لصالحه في العام 2018، التحالف مع النائب المستقيل ميشال معوض. الأمر الذي قد يعقد مسألة الفوز بمعقد إضافي جديد، إلا إذا نجح في إبرام تحالف قوي.
بالإنتقال إلى المعركة في بيروت، يواجه "الوطني الحر" في الأولى معضلة التحالفات، لا سيما إذا ما تقرر الإنفصال عن "الطاشناق" في هذه الدائرة أيضاً، في حين هو خسر نتيجة الوفاة المرشح الماروني القوي مسعود الأشقر، ولا يمكن تصور إعادة الإستفادة من أصوات "المستقبل". بينما في الثانية هو كان قد فاز بالمقعد الإنجيلي، في الدورة الماضية، نتيجة التحالف مع "حزب الله" و"حركة أمل" و"جميعة المشاريع الخيرية الإسلامية".
دوائر جبل لبنان
في هذه الدوائر لدى "الوطني الحر" مجموعة من المعارك الكبرى التي يخوضها، التي تبدأ من كسروان-جبيل، حيث يملك التيار، من حيث المبدأ، القدرة على تأمين مقعدين: واحد في جبيل والآخر في كسروان. إلا أنه يواجه معضلة كبيرة على مستوى التحالفات، لا سيما بالنسبة إلى إمكانية التحالف مع "حزب الله"، الأمر الذي من الممكن أن يرفع من حظوظ اللائحة، في حال ضمن شخصية وازنة في كسروان، إلى الفوز بـ4 مقاعد، لكن هذا الأمر دونه الكثير من العقبات في دائرة كانت تعتبر من أهم معاقل "الوطني الحر".
أما في المتن، فإن التيار يواجه مجموعة واسعة من المشاكل، التي تبدأ من فك التحالف مع "الطاشناق" بالرغم من أن الاحصاءات أظهرت أن الأخير بات يشكل عبئاً على التحالف، لكن المشكلة الأساس تكمن بـ"الخطوة الذكية" التي ذهب إليها حزب "القوات اللبنانية"، لناحية تركيز معركته على المقعد الكاثوليكي في الدائرة. فهنا على "الوطني الحر" أن يقرر ما إذا كان سيدخل في مواجهة مع "القوات" حول هذا المقعد، تعتبر من حيث المبدأ خاسرة، أو التركيز على مقاعد أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي تجاهل مسألة إمكانية عدم ترشح النائب الياس بو صعب، نظراً إلى أن هذا الأمر يضاعف من مشاكل التيار في هذه الدائرة، لا سيما أن بو صعب يستطيع أن يجذب عدداً كبيراً من أصوات "الحزب السوري القومي الإجتماعي". لكن في المجمل باتت المعركة ضمن سيناريوهين: الفوز بمقعد واحد أو 2.
بالإنتقال إلى دائرة بعبدا، يبدو أن "الوطني الحر" يضمن الفوز بمقعد نيابي واحد، بينما فاز، في الدورة الماضية، بمقعدين، بسبب تراجع شعبيته بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى تشكيل تحالف "القوات" والاشتراكي" لائحة قوية، بعد ضم حزب "الوطنيين الأحرار" إليها، من دون تجاهل إمكانية أن تنجح قوى المجتمع المدني في الخرق بأحد المقاعد المارونية.
بالنسبة إلى دائرة الشوف-عاليه، حيث يعتبر التيار المعركة فيها أساسية، يبدو أن التوجه هو نحو تحالف واسع، يضم إليه كل من حزب "التوحيد العربي" و"الحزب الديمقراطي اللبناني" و"الحزب السوري القومي الاجتماعي"، إلا أنّ ظروف المعركة لا تبدو واضحة بسبب تبدل الكثير من المعطيات، لكن الأساس يبقى أن "الوطني الحر" يضمن، من حيث المبدأ الفوز بمقعدين: واحد في الشوف والآخر في عاليه.
دوائر الجنوب وبالبقاع
في الجنوب، من حيث المبدأ يخوض "الوطني الحر" معركة إثبات وجود في دائرتي صور-الزهراني والنبطية-بنت جبيل-مرجعيون، نظراً إلى عدم إمكانيته تحصيل أي مقعد نيابي، كما كان عليه الوضع في العام 2018، إلا إذا تقرر أن يمنح المقعد الأرثوذكسي في الثانية، بالتفاهم مع "حزب الله" الذي يريد تعويض الخسائر التي قد يتعرّض لها التيار، لكن هذا الأمر يواجه معضلة ترشيح النائب أسعد حردان عن هذا المقعد.
أما في دائرة صيدا-جزين، فإن "الوطني الحر" يواجه أكثر من مشكلة، تبدأ من الخلافات الداخلية بين النائب زياد أسود والنائب السابق أمل أبو زيد، ولا تنتهي عند صعوبة التفاهم مع شخصية سنية وازنة في صيدا في الدورة المقبلة، بعد أن كان يتحالف، في الدورة الماضية، مع كل من "الجماعة الإسلامية" والدكتور عبد الرحمن البزري، الأمر الذي قد يقود إلى خسارته لمقعد نيابي، بعد أن كان في حوزته في هذه الدائرة مقعدان.
بالنسبة إلى البقاع، قد يكون هناك مقعد "هدية" من قبل "حزب الله" في دائرة بعلبك الهرمل، في حال تم التفاهم بينهما في هذه الدائرة، بينما في البقاع الغربي ظروف المعركة صعبة، أما في زحلة فإن التيار بحاجة إلى أن يحسم قراره لناحية التحالف مع "حزب الله"، الأمر الذي يضمن فوز اللائحة بمعقدين: الأول يكون من حصة الحزب، أما الثاني فيكون من حصة "الوطني الحر".