مارون أين أنت؟... في كل سنة ننتظرك لتطلَّ علينا في عيدك، مُبحرينَ في صلواتك لنستعيد مسيرةَ حياتك ومحطات جهادك وصبرك وتفانيك في الغوص في سرِّ الرب الذي أحببته وكرَّست ذاتَك وحياتَكَ له... ننتظرك لتطلَّ علينا، قديسًا وراهبًا وناسكًا، متقشفًا ومبدعًا في الإيمان، فنترنَّح من أفكارك ونسكر من صلواتك ونتشدَّد بثباتك في النعمة ونتقوَّى بجهادك ومثالِكَ في مواجة سهام العدو والشر...
ننتظرك لتطلَّ علينا مُرندحًا بلغتك السريانية صلوات الرهبان والراهبات ومن المتوحدين في الجبال والنسَّاك الذين سكنوا في نخاريب الصخور التي اعتنقوها مخبنًا يتوارون فيه عن الأنظار ليتَّحدوا بالإله...
تطلُّ علينا روحُك من شمال شرقي أنطاكية فتنفح جبال لبنانَ بعطرِ قداستك وعبيرِ إيمانِك ونهجِ عَيشِك الذي تكنَّى بهِ قدِّيسو ونسَّاك وادي قنوبين وجبال إهدن الشاهقة وسفوح جبال الأرز وصخور بعلبك والعاصي...
تطل علينا من الكنائس التي تحمل اسمك من بيروت الجريحة إلى الجنوب إلى سهل البقاع وكل البُقع والأماكن التي مررت بها وحولتها بقوة الإيمان والثقة بالله، من الوثنية الصماء إلى المسيحية المحبة التي تُحي وتُحرِّر الإنسان...
تطل علينا في عيدك ولبنان ما زال يرزح تحت وطأة الأزمات والآلام... كأنك تعرف بأنَّ هذا الوطن الصغير يحمل رسالة سلام وأخوة، شهادة للعالمين، لكنَّه اليوم يحتاج شفاعة السماء وصلوات القديسين الأحياء لينتصر على الصعاب ويثبت بالإيمان...
تطل علينا وزعماؤنا المدنيون ما يزالون منقسمين وبعيدين عن روح الرسالة الموكلة إليهم برعاية شعبك ووطنك...
لعله قد حان الوقت يا مارون لتطلَّ علينا وتُرينا السبيل الذي به نعودُ إلى وطنيتك وحبك لشعبك وتضحياتك وصلواتك وثباتك بالصوم والسهر والتقشُّف…
لعلك لم تخطط لطائفة أو منطقة، إلَّا أنَّك قد حددت للبنانَ وجودًا وكيانًا، حين كنتَ أمام أتباعِك مِثالًا حيًّا، فغرفتَ من حب الوطن وحب الرب الذي اخترق قلبك لتُغذِّي روح الإنسان في زمن الوثنية والاصنام، وما أكثرها في عالم اليوم...
لقد ثبتّ حب الله فاجتمع حولك تلاميذك وتبعوك وحملوا معك رسالة لبنان الحضارية والثقافية، رسالة أنطاكية والمشرق الذي زرعت فيه بذور المحبة والأخوة والتضحية فأينعت حبة الحنطة وأثمرت هي التي ماتت لتأتي بشعب عظيم عنيد متجذر في أرضه، يأبى إلَّا أن يحملَ شعلةَ إيمانك ليُضئ بأنوارها سُبل الناظرين صوب لبنان وشرقنا، مرجعًا إيمانيًّا وجذورًا مسيحيَّة...
لعلنا يا مارون نعي أهيمة حضورك في قلب الكنيسة والشرق الذي ينهنشه العالم ليبدد رسالته ويغير بديموغرافيته... لعلنا لا زلنا نتلهَّى بأمور الأرض والدنيا وننسى بأنَّ موطننا هو السموات فتعال ولا تبطئ وليكن عيدك منارة في وجدان كل من أحبك وسار على خطاك على أمل اللقاء بك ومعك حول مائدة الحمل في الملكوت السماوي.