قبل أشهر قليلة، كان الجميع يتوقع أن تكون نتائج الإنتخابات المقبلة شبه محسومة، لناحية فوز القوى المعارضة لـ"حزب الله" في الأكثرية النيابية، نظراً إلى التداعيات التي تركتها الأزمة المالية التي انفجرت خلال ولاية المجلس الحالي، لكن ما بعد قرار عزوف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن المشاركة في هذا الاستحقاق ليس كما بعده، نظراً إلى أن هذا القرار كان بمثابة "زلزال" من المفترض أن يؤثر في معظم الدوائر.
ضمن هذا السياق، بات من الواضح أن "المستقبل" لن يكون غائباً عن الإستحقاق بشكل كلي، حيث من المفترض أن يكون هناك مرشحين مقربين منه، بالرغم من أنهم سيخوضون المعركة كمستقلين من دون أي دعم أو تغطية من جانب التيار، لكن العنوان الأساسي لهم هو عدم التحالف مع حزب "القوات اللبنانية"، مع العلم أن الحزب سعى إلى التهدئة مع الجمهور السني في الفترة الماضية، نظراً إلى قناعته بأن لهذا الخلاف تداعيات سلبية في أكثر من دائرة.
في الوقت الراهن، بات السيناريو، الذي يتقدم على سواه، يقوم على فرضية أن تعود الأكثرية النيابية الحالية، أي تحالف قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر"، إلى الفوز في الاستحقاق المقبل، حتى ولو تراجع عدد نواب هذا التحالف في المجلس الجديد، لكن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بالتغييرات التي سيفرزها هذا الأمر على الواقع الذي تمر فيه البلاد، حيث هناك من يرى أن مثل هذه النتيجة لن تكون إلا تمديداً للأزمة القائمة، لكن مع نجاح هذا الفريق في إعادة تكريس شرعيته الشعبية، بعد أن كانت محل تشكيك على اثر الواقع الذي أفرزه الحراك الشعبي في العامين الماضيين.
في مقابل هذا السيناريو، هناك من يعتبر أن القوى الأخرى قد تفوز في قلب المعادلة، لا سيما إذا ما نجحت المحاولات في تأمين مظلة طائفية كبيرة لترشحيات سنية، من الممكن أن تنضم إلى تحالف "الحزب التقدمي الإشتراكي" وحزب "القوات اللبنانية"، بشكل يعوض غياب "المستقبل" عن الساحة، خصوصاً إذا ما ترافق هذا الأمر مع خطاب سياسي عالي السقف بوجه "حزب الله"، يساعد في شد المزيد من العصب الطائفي، بالرغم من أن هذا الأمر لم تتضح معالمه حتى الساعة، لا بل هو لا يزال ضمن دائرة الرهانات التي يتمناها البعض، ومن الممكن أن يسعى "المستقبل" إلى إجهاضه بنفسه، نظراً إلى أنه سيعقد إمكانية عودته إلى المشهد من جديد.
في هذا السيناريو، هناك معادلة ينبغي أن تؤخذ بعين الإعتبار، تكمن بأن أيّ أكثرية من هذا النوع لن تكون متماسكة، لا سيما أن "الاشتراكي" قد لا يكون في وارد الذهاب إلى خيارات تصعيدية بوجه الحزب، بسبب الظروف الخاصة التي لديه، بالإضافة إلى تحالفه التاريخي مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي يصفه بشكل دائم بالحليف الوحيد. في حين هي ستواجه، في ظلّ تركيز "حزب الله" و"حركة أمل" على الفوز في جميع المقاعد الشيعية، معضلة التمثيل الشيعي في أي حكومة مقبلة، ما يعني العودة إلى نظرية عدم قدرة أي أكثرية نيابية على الحكم بفردها.
على هامش هذين السيناريوهين، تُطرح الكثير من الأسئلة حول النتائج التي من الممكن أن تحققها قوى المعارضة أو المجتمع المدني في الاستحقاق المقبل، بالرغم من أن الوقائع الراهنة ترجّح ألاّ تكون هناك كتلة نيابية متجانسة، لا بل من الممكن أن يكون هناك كتلتين لا تملكان القدرة على التأثير الفاعل في الاستحقاقات المقبلة، ما يرجح أن يقود نجاحها إلى معادلة أصعب، عنوانها الأساسي أن ليس هناك من تحالف يملك الأكثرية وحده، أي أنها بحاجة إلى التحالف مع تكتلات أخرى من أجل فرض وجودها، الأمر الذي قد يقودها إلى المزيد من الإنقسامات.
في المحصّلة، لا يزال المشهد الانتخابي غامض على أكثر من صعيد، الأمر الذي يُفسر عدم الحماسة على الترشيحات أو تشكيل اللوائح بشكل نهائي حتى اليوم، إلا أن الأكيد هو أن هناك الكثير من الرهانات غير الواقعية التي تسيطر على التوقعات لدى مختلف الأفرقاء، ما قد يقود إلى عزوف العدد الأكبر من الناخبين عن المشاركة في هذه العملية في نهاية المطاف.