لفت وزير الخارجيّة والمغتربين عبدالله بوحبيب، إلى أنّ "المطلوب أن نتحمّل الواقع الاقتصادي المادّي ما بين سنتين وثلاث سنوات، تبدأ من تاريخ توقيع الاتّفاق المفترَض مع صندوق النقد الدولي"، مشيرًا إلى أنّه "تَقرّر، إزاء الشحّ المالي الحادّ، تخفيض الموازنة السنويّة لوزارة الخارجيّة بالعملة الصعبة من 92 مليون دولار إلى 72 مليونًا حتّى الآن، ومن المحتمل تقليصها أكثر لاحقًا".
وأوضح، في حديث إلى صحيفة "الجمهوريّة"، أنّ "أبواب التّخفيض في النّفقات قد شملت الآتي: تخفيض رواتب السّفراء في الخارج على قاعدة مؤشّر الغلاء في العواصم المعتمدين لديها، تقليص نفقات التّمثيل (الولائم، الدّعوات...) من مليوني دولار إلى 140 ألفًا، التوقّف عن منح تذاكر سفر مجانيّة كان يحصل عليها الدبلوماسيّون وعائلاتهم مرّة واحدة كلّ عامين أو ثلاثة تبعًا للدّولة المنتدبين إليها، تخفيض كلفة إيجارات المقرّات الدبلوماسيّة بنسبة 6 ملايين دولار، الطّلب من السّفراء الانتقال من أماكن سكنهم الحاليّة إلى شقق متواضعة، ولكن على أن تليق في الوقت نفسه بكرامة السّفير ولبنان، إقفال سفارات وقنصليّات يمكن الاستغناء عنها، تخفيض عدد الموظّفين المحليّين في الخارج (المقيمون في الدولة علمًا أنّ معظمهم من أصحاب الأصول اللّبنانيّة) وعدم تعيين بديل عن كلّ متقاعد ومستقيل، مع التّشجيع على الاستقالة المرفقة بدفع تعويضات، وتخفيف عدد الملحقين الاقتصاديّين عبر استبدال توزيعهم على عدد كبير من الدّول بتعيين ملحقين إقليميّين (آسيا، أميركا الشمالية، أوروبا الغربية، اروربا الشرقية...).
وكشف بو حبيب أنّ "في المقابل، تمّت زيادة الرسوم القنصليّة من 13 مليون دولار إلى 20 مليونًا، على الأقل". وبيّن أنّ بقاء عدد من السّفراء في مراكز عملهم خارح لبنان، وبالتّالي استمرارهم في تقاضي رواتبهم على الرّغم من أنّ المدّة القانونيّة لانتدابهم قد انتهت، "هو أمر يعود إلى التّأخير الاضّطراري في إنجاز التّشكيلات الدبلوماسيّة، نتيجة عدم اكتمال التّوافق السياسي عليها حتّى الآن"، مؤكّدًا "أنّني أتفهّم أنّ هذا الوضع نافر، وأنا أسعى إلى تذليل العقبات الّتي تعترض معالجته، علمًا أنّ البتّ في هذا الملف لا يتوقف عليّ وحدي، بل يتطلّب تفاهم المرجعيّات الرئاسيّة".
وعمّا إذا كانت هناك مؤشّرات لردّ خليجي قريب على الموقف اللّبناني من الورقة الخليجية الّتي سُلّمت إلى بيروت، ذكر أنّ "اجتماعًا لمجلس التعاون الخليجي سيُعقد في أواخر الشّهر الحالي، ومن المتوقّع أن يكون الشّأن اللّبناني حاضرًا فيه"، مشيرًا إلى أنّ "الكويتيّين كانوا مرتاحين جدًّا للردّ اللّبناني الّذي سلّمتهم إيّاه، ووزير الخارجيّة هو شخص متفهم ومتعاون".
وشدّد على أنّ "تطبيق القرارات الدّوليّة (في إشارة إلى القرار 1559 الّذي تلحظه الورقة الخليجيّة)، إنّما يحتاج إلى آليّة تتجاوز قدرة لبنان، ويستدعي مساعدةً وتعاونًا على المستويَين الإقليمي والدّولي"، محذّرًا من أنّ "مطالبتنا بما يفوق طاقتنا هي دعوة إلى حرب أهلية نرفضها".
وعن الخلاف الدّاخلي حول مسار ترسيم الحدود البحريّة مع الجانب الإسرائيلي، الّذي يتجاذبه خطّان: 23 و29، ركّز بوحبيب على "أنّه من المقتنعين بأنّ خط 23 هو الّذي يحقّق مصلحة لبنان"، متسائلًا: "هل نريد أن نخوض معارك شعبويّة أم بدنا ناكُل العنب؟"، لافتًا إلى أنّ "المرسوم المتعلّق بالخط 23 صدر قبل 11 سنة، حاملًا توقيعَي رئيس الجمهوريّة آنذاك ميشال سليمان ورئيس الحكومة الّذي وللمصادفة هو نفسه اليوم، أي نجيب ميقاتي، وبالتّالي الحكم استمراريّة والدّولة يجب أن تحترم توقيعها".
كما أفاد بأنّ "الوفد المفاوض كان قد أبلغ إليه أنّ طرح الخط 29 هو للتّفاوض"، معلنًا "أنّني أعارض إدراج هذا الخط كتابيًّا في مرسوم يُرفع إلى الأمم المتحدة، لأنّه لا يجوز وضع تواقيع رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة والوزراء المختصّين على مرسوم تفاوضي"، ورأى أنّ "التمسّك بالخط 29 لن يؤدّي إلى نتيجة، وجلسات التّفاوض غير المباشر الّتي عُقدت في الناقورة هي دليل على ذلك".
وأبدى ارتياحه لـ"الاقتراحات الّتي حملها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت"، معتبرًا أنّها "إيجابيّة ويمكن البناء عليها"، موضحًا أنّ "تلك الاقتراحات لم تكن مكتوبة، وقد طلب رئيس الجمهوريّة ميشال عون من الموفد الأميركي أن يودعنا إيّاها مكتوبة حتّى نردّ عليها رسميًّا". وشدّد على "التمسّك باستعادة كامل مساحة الـ860 كلم2 بحريّة المتنازع عليها، ونحن اعترضنا على خط هوف الّذي يعطينا 55 بالمئة من تلك المساحة".
وكشف بوحبيب "أنّني تواصلت مع مسؤولين في "حزب الله" قبل زيارة هوكشتاين الأولى إلى لبنان في تشرين الثّاني الماضي، وسمعتُ منهم أنّ ملف الحدود البحرية هو شأن الحكومة، والحزب لا يعترف بوجود حدود مع إسرائيل. لذا، فإنّه لن يدعم ولن يعارض أيّ قرار تتّخده الحكومة في هذا الصّدد". وأكّد "رفضه التّام للحقول المشتركة، ولتوزيع الأرباح بشكل مشترك، ولكل ما يُشتَمّ منه تطبيع مع إسرائيل"، منبّهًا إلى أنّ "الوقت ثمين ولا يجوز الاستمرار في تضييعه، خصوصًا أنّ قيمة الغاز قد تتراجع في المستقبل".