يتضمّن جدول أعمال جلسات مجلس النوّاب يومي الإثنين والثلاثاء في 21 و22 شباط، مجموعة من البُنود التي من شأنها أن تُثير خلافات تحت قُبّة البرلمان، وبعد ذلك خارجه، في حال إقرارها. وأبرز هذه البُنود المُهمّة:
أوّلاً: إقتراح القانون الرامي إلى تجميد العمل بالمادة الثانية من القانون رقم 515 (1)، ورفع سُقوف الإنفاق في المدارس الرسميّة. وهذا البند خلافي بين أولياء المدارس من جهة، ولجان الأهل وأهالي الطلاب من جهة ثانية، حيث أنّ حُجّة إدارات المدارس الخاصة أنّ الأقساط المدرسيّة لم تعد كافية إطلاقًا، لتأمين تسيير شؤون التعليم بالشكل المُناسب، ولإعطاء الأساتذة والمُعلّمين حُقوقهم المُستحقّة، الأمر الذي إنعكس وسينعكس تراجعًا كبيرًا في المُستوى التعليمي في حال إستمراره لمزيد من الوقت. في المُقابل، يرفض الأهالي أيّ زيادات إضافيّة على الأقساط، طالما أنّ رواتب مُختلف العُمّال والمُوظّفين لم تُعدّلبشكل جدّي، وهم يعتبرون أنّ إدارات المدارس الخاصة تحصل على مُساعدات ماديّة خارجيّة، وعليها بالتالي عدم تحميل الأهل أيّ أعباء إضافيّة في هذه الظُروف الإستثنائيّة من تاريخ لبنان. وخلافات هذا البند ستنسحب إلى خارج البرلمان، بغضّ النظر عن وجهة التصويت المُرتقبة عليه.
ثانيًا: إقتراح قانون المُنافسة وإلغاء الوكالات الحصريّة، وهو مِلفّ خلافي يعود إلى عشرات السنوات، حيث تُوجد حاليًا ضُغوط مُتزايدة للتخلّص من كلّ القوانين التي تُسهّل عمليّات الإحتكار، بهدف التخلّص من الكارتيلات الإقتصاديّة التي تتحكّم بأسعار مئات العلامات التجاريّة، وبالتالي بهدف خفض الأسعار. في المُقابل، يعتبر المُدافعون عن هذه القوانين أنّ هناك مُحاولات مَشبوهة لتغيير وجه لبنان الإقتصادي، ولجعله دولة شبيهة بدول تعيش شُعوبها تحت وطأة النقص والعوز والفقر، وذلك تحت عناوين شعبويّة برّاقة، هي في الواقع عبارة عن إستغلال رخيص للضغط الحياتي والمعيشي الذي تعيشه شرائح واسعة من اللبنانيّين حاليًا، للتخلّص من كل ما يعكس نوعًا من الرفاهيّة في العيش. وحجّة هؤلاء أنّ المنافسة مَفتوحة أصلاً، لأنّه يُوجد عشرات الخيارات الرديفة لكل العلامات التجاريّة، وبإستطاعة المُستهلك إختيار ما يناسبه منها.
ثالثًا: إقتراح قانون إستقلاليّة القضاء العدلي، وهو بند خلافي شديد الأهميّة، خاصة وأنّه يأتي في ظلّ مرحلة شدّ حبال قاسية على المُستوى القضائي، حيث تطغى الإتهامات المُتبادلة بتسخير القضاء لغايات سياسيّة ضيّقة، وحتى لأهداف شخصيّة في بعض الأحيان. وفي الوقت الذي يُعاني فيه الجسم القضائي من فراغ كبير على مُستوى المناصب الشاغرة، ومن تجاوزات مُختلفة على صعيد المُمارسة والتدخّلات السياسيّة في عمله، سيكون هذا البند محورًا لسجالات حامية في مجلس النوّاب، شأنه شأن باقي البنود المُهمّة. والمُشكلة أنّ مُقاربة هذا البند الحسّاس لن تكون تقنيّة فقط، بل ستدخل فيها الإعتبارات السياسيّة وإرتدادات الخلافات بين السياسيّين بشأن العديد من الملفّات القضائيّة المَفتوحة على مصراعيها حاليًا.
رابعًا: إقتراح قانون مُعدّل مُكرّر يرمي إلى تعديل الفقرة الثانية من أحكام المادة 118 من قانون الإنتخابات رقم 2017/44، والذي يتناول تفاصيل خاصة بإقتراع اللبنانيّين في الخارج. وسيكون هذا البند بدوره محطّ خلافات كبيرة بين النوّاب، خاصة وأنّ الإختلاف هائل في وجهات النظر، بين من كان يريد حصر إقتراع المُغتربين بستة نوّاب مُخصّصين للقارات الست، ومن يريد إقتراع المُغتربين لصالح دوائر مسقط نفس كل واحد منهم في لبنان. ويأتي هذا الصراع في الوقت الذي تشتدّ فيه الإتهامات بين القوى السياسيّة، بشأن من يريد تأجيل الإنتخابات، ومن يريد توظيفها لكسب بعض الأصوات هنا أو هناك. والتباين لا يقتصر على تصويت المُغتربين، بل يشمل إقتراح إنشاء مراكز التصويت المركزيّة الكبرى ("ميغا سانتر") أيضًا.
خامسًا: إقتراح قانون مُعدّل مُكرّر يرمي إلى وضع ضوابط إستثنائيّة ومُوَقّتة على التحاويل المَصرفيّة والسُحوبات النقديّة. ولا يقلّ هذا البند أهميّة عن باقي القوانين الجدليّة، بسبب حال الفوضى التي يعيشها القطاع المصرفي ككلّ، وإستمرار حجز أموال المُودعين، إضافة إلى إستمرار مُمارسة الإقتطاع غير الشرعي لجزء من هذه الأموال، عند قيام أيّ مُودع بسحب الحصّة الماليّة الزهيدة المَسموح له بسحبها شهريًا.
ويُمكن القول إنّ كل هذه البُنود ومشاريع القوانين تُمثّل بابًا مفتوحًا على مصراعيه للنقاشات الحامية تحت قبّة البرلمان، ليس دفاعًا عن حُقوق المواطنين، وتحسينًا لنمط عيشهم ككلّ، إنّما بسبب المُزايدات الشعبويّة الآخذة بالإزدياد بشكل مُضطرد في المرحلة الأخيرة، بسبب قرب موعد تنظيم الإنتخابات النيابيّة، ما لم يتمّ ترحيلها إلى موعد لاحق في حال إلتقاء مصلحة أكثر من فريق سياسي داخلي كبير على هذه الخُطوة. والسجالات ستتواصل خارج البرلمان أيضًا، بين الجهات الراغبة بتمرير مشاريع القوانين المَذكورة، وتلك الرافضة لها أو المُطالبة بتعديلها على الأقلّ.
في الخُلاصة، إنّ هذا الأسبوع سيكون "حماسيًا"–إذا جاز التعبير، لمن يُحبّ مُتابعة الأخبار السياسيّة اللبنانيّة، فهو سيبدأ بنقاشات حامية جدًا في المجلس النيابي، لن تخلوَ من الصُراخ في بعض الأحيان. وسيتضمّن أيضًا إستمرارًا لملفّات خلافيّة مَفتوحة أخرى، من مسألة التدقيق الجنائي ومُحاكمة حاكم مصرف لبنان، مُرورًا بمسألة التعيينات على طاولة مجلس الوزراء، وُصولاً إلى مسألة ترسيم الحدود البحريّة والطرح الذي سيرفعه الوفد اللبناني المُفاوض، إلخ. وكل ما سُيرافق هذه الملفّات من نقاشات وخلافات، يدخل في سياق المزايدات الشعبويّة، والأهداف الإنتخابيّة، فلا تنغشّوا!.
(1) قانون تنظيم الموازنة المدرسيّة ووضع أصول تحديد الأقساط المدرسيّة في المدارس الخاصة غير المجانيّة.