منذ ما قبل نهاية العام المنصرم، كانت الأنظار في لبنان تتجه إلى شهر آذار المقبل، على قاعدة أنه قد يحمل معه ملامح تسويات إقليمية، من الممكن أن تنعكس إيجاباً على واقع الساحة المحلية، التي تعاني ما تعانيه منذ نحو عامين.
أساس النظر إلى لبنان من هذه الزاوية، يكمن بأن البلاد ليست جزيرة معزولة عما يجري من تطورات في محيطها، وبالتالي كان من المفترض النظر إلى معطيين أساسيين: الأول هو مفاوضات فيننا التي تتناول الملف النووي الإيراني، أما الثاني فهو الحوار السعودي الإيراني.
في هذا السياق، تشدد مصادر متابعة، عبر "النشرة"، على أن الملف اللبناني لا يمكن أن يكون بعيداً عن التطورات القائمة في الإقليم، بغض النظر عما إذا كانت تداعيات التسويات الكبرى ستكون مباشرة أو ستنتظر بعض الوقت، لا سيما أن لبنان سيكون في الفترة القصيرة المقبلة على موعد مع إنتخابات نيابية، باتت تجمع غالبية القوى السياسية على وصفها بـ"المصيرية"، من المفترض أن تتبعها إنتخابات رئاسية، لا تقل أهمية، بعد إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون.
من وجهة نظر هذه المصادر، أساس الترابط يكمن بالتعقيدات التي بلغها الملف اللبناني، في الفترة الماضية، حيث لم يعد من المنطقي الحديث عن قدرة الأفرقاء المحليين على إبتكار الحلول القادرة على تمرير المرحلة، بينما لدى العديد من القوى الإقليمية قناعة بأن الحلول المرحلية لم تعد تجدي نفعاً، بدليل كلام وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان، في الأيام الماضية، عن أن "العلاج قصير المدى" لن يفيد لبنان.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، هذا الكلام السعودي لا يمكن أن ينفصل عن التحول القائم على الساحة السنية، لا سيما بعد قرار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري العزوف عن المشاركة في الإنتخابات النيابية، نظراً إلى أنه، الذي كان يصنف على أساس أنه رجل المملكة الأول في لبنان، هو من أبرز الشخصيات السياسية التي تبحث دائماً عن التسويات، بينما بات من المؤكد أن الرجل لم يذهب إلى هذا الخيار من تلقاء نفسه، وهو ما عبر عنه رئيس المجلس النيابي نبيه بري بشكل واضح، في حديثه لصحيفة "الأهرام" المصرية، عندما أشار إلى أن "الحريري أجبر على الانسحاب من المعترك السياسي والانتخابات النيابية".
في هذا الإطار، من الضروري الإشارة إلى أنه على مستوى مفاوضات فيينا، بات الحديث عن أيام أو أسابيع حاسمة، الأمر الذي من المفترض أن تظهر معالمه خلال شهر آذار المقبل، بينما على مستوى المفاوضات السعودية الإيرانية كان لافتاً ما أعلنه بن فرحان، لناحية تأكيده أن الرياض تتطلع إلى جولة خامسة من المحادثات مع طهران، بالرغم من إشارته إلى عدم تحقيق أي تقدم جوهري في الجولات الماضية.
ضمن هذه الأجواء، ترى المصادر المتابعة أنه لا يمكن تجاهل التقدم الحاصل على مستوى ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، لا سيما بعد الجولة الماضية التي قام بها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، نظراً إلى الأجواء الإيجابية التي كانت قد رافقتها، خصوصاً بعد المواقف اللبنانية التي أكدت على أن الخط 29 هو خط تفاوضي، بينما كان الجميع يدرك أن الجانب الأميركي يسعى إلى الإنتهاء من هذه المفاوضات قبل نهاية شهر آذار.
وتنقل هذه المصادر عن مرجع كبير كلاماً واضحاً يصب في هذا الإتجاه، كان قد أبلغه في الفترة الماضية إلى العديد من المسؤولين الإقليميين، مفاده أن لبنان يتأثر بمشاكل المنطقة والإقليم، وبالتالي الحلول فيه مرتبطة بحلول أكبر، بينما أقصى ما يمكن أن يفعله لبنان، في الفترة الفاصلة، هو تمرير الوقت عبر إجراءات لا تحتاج إلى قرارات أكبر منه، مركزاً على أهمية إعادة فتح قنوات الإتصال مع الدول الخليجية.
في المحصلة، تجزم المصادر نفسها أن المنطقة، على الأرجح، قادمة على تسويات من العيار الثقيل في المرحلة المقبلة، لبنان لن يكون بعيداً عنها بأي شكل من الأشكال، لكنها تطرح الكثير من علامات الإستفهام حول إمكانية أن تكون ترجمتها المحلية قبل أو بعد الإنتخابات النيابية، نظراً إلى أنها لن تكون بالحجم الصغير، بل تتناغم مع الحجم الذي وصلت إليه الأزمة اللبنانية.