تتسارع الأحداث بشكل كبير في ما خصّ ملفّين مُهمّين: الأوّل الصراع بين روسيا من جهة وأوكرانيا وجزء كبير من العالم الغربي من خلفها من جهة أخرى، والثاني المُفاوضات بشأن إعادة إحياء "الإتفاق النووي" بين إيران من جهة والولايات المُتحدة الأميركيّة وبعض الدول الغربيّة من جهة أخرى. ومن غير المُستبعد أن تحمل الأيّام القليلة المُقبلة تطوّرات بالغة الأهميّة في هذين الملفّين. فما هي إرتدادات هذه التطوّرات على لبنان؟.
بالنسبة إلى ملفّ الصراع الروسي–الأوكراني، من الواضح أنّ روسيا ذاهبة في ضُغوطها إلى أقصى درجة مُمكنة، فإمّا تنال ما تريده من مكاسب على المُستويات السياسيّة والدبلوماسيّة والإقتصاديّة، وغيرها، وإمّا ستذهب إلى الخيار العسكري. وفي حال حُصول هذا الأمر، لبنان سيدفع ثمنًا باهظًا على صعيدين:
الأوّل يتمثّل بزيادة أسعار العديد من السلع الحيويّة، مثل النفط والغاز وبعض أنواع الحبوب ومنها القمح على سبيل المثال لا الحصر. وهذا الإرتفاع سيكون عالميًا بنسب لن تقلّ عن 10 إلى 15%، ثم ستزداد أكثر فأكثر مع مُرور الوقت، في حال عدم تأمين بدائل سريعة للنقص الحاد الذي سيلحق بهذه المواد، بسبب التعطّل المُرتقب لخطوط الإمداد والنقل، ما أن تندلع الحرب. وإذا كان العالم قادرًا على تحمّل هذه الزيادة في الأسعار، فإنّ لبنان عاجز عن ذلك، لأنّ كل دولار إضافي لأي سلعة، يعني عشرات آلاف الليرات الإضافية بالنسبة إلى اللبنانيّين.
الثاني يتمثّل بتعطّل أي فرصة كانت حتى الأمس القريب مُحتملة، على خط حلّ الملفّ السُوري، وتلقائيًا إيجاد حُلول لملفّ النازحين السوريّين إلى دول الجوار، ومنها لبنان بطبيعة الحال. فحتى لو تحقّق تقدّم كبير في الملف الإيراني، فإنّ حلّ الصراع في سوريا، لا يُمكن أن يمرّ من دون "الضوء الأخضر" الروسي. وإنفجار الوضع في أوكرانيا، يعني حُكمًا تدهور العلاقات الروسيّة–الأميركيّة والروسيّة–الأوروبيّة بشكل خطير، وبالتالي سيتمّ تلقائيًا وضع الصراع في سوريا على الرفّ، هذا ما لم تتمّ إعادة تسخينه! ولبنان سيدفع عندها مزيدًا من التعثّر في مُعالجة ملفّ النازحين السُوريّين، في تكرار لسيناريو كارثي حصل مع اللاجئين الفلسطينيّين قبل بضعة عُقود.
بالنسبة إلى ملفّ "الإتفاق النووي" مع إيران، فإنّ الأجواء الأخيرة مُتفائلة جدًا بقرب التوصّل إلى صيغة مُحدّثة لهذا الإتفاق الذي كان قد مرّ بكثير من الصُعود والهبوط، والذي كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد ألغاه قبل إنتهاء ولايته. وبحسب ما رشح من مَعلومات أخيرًا، فإنّ الإتفاق لن يتضمّن إجراءات جديّة وقابلة للتنفيذ بشأن صواريخ إيران الباليستيّة وتلك البعيدة المدى، ولا بشأن تدخّلاتها السياسيّة والأمنيّة على إمتداد مساحات الدول العربيّة وشرق الأوسطيّة. وفي حال حُصول هذا الأمر، لبنان سيدفع ثمنًا باهظًا على صعيدين:
الأوّل يتمثّل بغياب الإستقرار، مع كل الإنعكاسات السلبيّة على إقتصاده وعلى معيشة أبنائه، إلخ، وذلك بسبب توقّع إستمرار المُناوشات بين إسرائيل التي لن تكون مُؤيّدة للإتفاق، و"حزب الله" الذي سيُواصل تنفيذ المشروع الإيراني الإستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط ككلّ.
الثاني يتمثّل بإنعدام أيّ فرصة مُساعدة خليجيّة وعربيّة للبنان في المدى المَنظور، لأنّه من غير المُرجّح أن ينعكس أيّ تقدّم بشأن الملف النووي الإيراني، إنفراجًا في العلاقات بين إيران ودول الخليج، طالما لم يتمّ تقييد تدخّلات طهران الإقليميّة. وبالتالي، لبنان سيبقى يدفع ثمن إنسياقه مُرغمًا إلى المحور الإيراني، بسبب نُفوذ "حزب الله" الذي صار غير قابل للضبط.
في الخُلاصة، لبنان دائمًا يدفع ثمن الخلافات والصراعات في العالم، وهو اليوم سيدفع ثمن الصراع المُحتمل في أوكرانيا. والمُفارقة الغريبة أنّ لبنان سيدفع هذه المرّة أيضًا ثمن السلم وليس فقط الحرب، وتحديدًا ثمن التقارب المُحتمل بين إيران والعالم الغربي، لأنّه بكل بساطة لم يحن بعد وقت حلّ ملفّاته الداخليّة الشائكة، ولا وقت حلّ الصراع الإيراني-الإسرائيلي والصراع الإيراني-الخليجي!.