لفت رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم، في رسالة الصّوم لعام 2022، الّتي وجّهها إلى المؤمنين والمؤمنات، إلى أنّ "زمن الصوم المقدّس يطلّ مجدّدًا، بينما نحن -كعادتنا- ملبّكين بمشاغل العمر وهمومه شؤونًا وشجونًا. يطرق جهاد الصّوم بابنا، ونحن في داخل أزماننا نعيش في غربة عن ذواتنا، وصوت ضميرنا يدعوننا للعودة إلى هياكل أنفسنا".
وأشار إلى أنّ "الله يريدنا أن نسلك طريق الرّجوع من سبينا، لكنّنا لا نرى للعودة سبيلً"، متسائلًا: "ألسنا كرائد فضاء تتعثّر خطواته بتراخي عضلاته عند عودته، فلا يعود إلى مسير سوي إلّا بعد تدريب وتمرين؟ لا يذكّرنا هذا بزمن صيام لنعود معه إلى رشاقة روحيّة ونفسيّة وجسديّة، ربما قد أوهت الخطيئة قوانا فأضعفتنا، وعصبت أعيننا فاقتادتنا إلى أرض غربة، حيث أضعنا ما بنا من نضارة وطهارة، فها نحن بالصّيام نشقّ عباب بحر فصلنا من أرض ميعادنا وموعد خلاصنا. في الصيام، ندرك أنّنا لا نملك شيئًا، لكن به نتعلّم أنّ لا شيء يجب أن يمتلكنا إلّا الله وحده".
وأكّد المطران ابراهيم أنّه "وقت تحرّر يصرف النّفس عن الشّهوة، ويأصلها في الصّبر كي لا يغلبها حرام. فالحريّة النّابتة من الأصوام تصوننا من كلّ يأس وحزن، فلا تقدر مصائب الدنيا تسرق منّا فرحنا. الصّوم هو زمن تناغم لا تناقض أعمال الصّائم فيه صومه. فكيف يكون صائم لا رأفةً فيه، وكيف يكون حرّ مستعبدة إرادته الآخرين، إذا تلاشى التّناغم بطل الصّوم".
وأوضح أنّ "التّناغم بالصّيام يطهّرنا من انقساماتنا، ومن انفصام ذواتنا، عاهات تمعن في تفتيتنا فتحوّلنا إلى ما لسنا عليه لنصير أعداء لأنفسنا وحرابا في خاصرات أبرياء.
التّناغم بالصّيام ينتشلنا من صفحات ثقافة الموت والظّلمة، ليزرعنا في حقول من الرّأفة وموائد الغفران"، مركّزًا على أنّ "التّناغم بالصّيام يصير لنا صلاةً بها نختتم المساء، وبها نفتتح الصّباح، فنكون في حضرة الله على الدّوام. ما أجمل الصوم والأيادي ترتفع تضرّعًا، وتمتدّ للإحسان عطاء، فيتغيّر وجه الأرض". ودعا الأحبّة أن "تحقّقوا بصومكم ومصالحتكم مع ذواتكم والآخرين، التّناغم في حياتكم. فليس في عصرنا الحاضر من آفة أكثر ضررًا من آفة الانقسام والانفصام عن الذّات، وتباعًا عن الآخرين وعن الله. صوم النّفس عن الانقسامات هو خير صيام".
من جهة ثانية، أعلن ابراهيم أنّ "إزاء تصاعد وتيرة الحرب بين روسيا وأوكرانيا وتضامننا مع ذوي الضحايا والمتضرّرين، نهيب بالمؤمنين والجميع الصّلاة من أجل استعادة وشيكة للسّلام والحوار والأخوة البشريّة، وندرك دروس العنف المؤسفة طوال التاريخ"، مناشدًا جهات الصّراع إلى "إيجاد حلول سلميّة لفضّ الخلافات ووأد النّزاعات".
وشدّد على أنّ "القوّة المسلّحة لا تعزّز حوارًا ولا سلامًا. فعلى عكس ذلك، تعرّض للخطر حياة أناس أبرياء وأمن المحاصرين في هذا الصّراع خاصّةً، وتهدر كرامة الإنسان. لذا، جاء يسوع ليمنح عطيّة السّلام، ومن خلاله، يسلك سبيل الحوار، حتّى ولو تبدو جميع السبل مغلقة". ولفت إلى أنّ "مع البابا فرنسيس الّذي استودع هذا الوضع بين يدي مريم، والدة الإله، نسأل سيدة النجاة وسيدة البقاع، بشفاعتها الّتي لا ترد، أن تفتح القلوب ليزول الغضب والعنف والانقسام. وندعوكم للصلاة من أجل لبنان، وطننا العابر في ظلمة وظلال موت، كي ينهض من سواده إلى ابيضاض أنوار الحياة الّتي تليق باللّبنانيّين كرمى لهم، وذخرًا لقادم الأجيال وإرثًا موثقًا متتاليًا".
وأكّد أنّ "لبنان ليس حقل تجارب للقوى المتصارعة، الّتي في نزواتها لا تتورّع عن إعاقته. إنّه وطن أهلنا الّذين -على مرّ التّاريخ- تحدّوا المستحيل، وذلّلوا المحال.
ليس في لبنان مجال للقنوط، ولا حيّز للإحباط. نحن أبناء الرّجاء والقيامة، من أكثر الشّعوب جلدا وقدرة على قلب ظهر المجن، واعتدال كفات الموازين. فرويدًا وصبرًا، سنعود عوضًا عن استيراد الأزمات، مصدّري الخير والازدهار". وأشار إلى أنّ "معًا، يا من ما يزال في وفاضهم ما يبهر، وفي عزائمهم ما يقهر، تعالوا ننازل الأزمات والسّياسة الّتي بها تتعثّر الخطى، لنبني لبناننا القديم الأزلي كعهده بنا، وصرحًا لنا على قدر آمالنا وأحلام أبنائنا وأجيال ما تني تفاخر بتراث يعزّ أن يؤتى له بضريب".